منطقة خطر
ناهض حتّر
بات حتما فوز حزب اليسار الديمقراطي (الشيوعي) في الانتخابات التشريعية الايطالية في الربيع المقبل. الشيوعيون سيحكمون ايطاليا اذا، فيما يبدو انه نوع من سخرية التاريخ!
الشيوعيون الايطاليون ليس في نيتهم ابداً اقامة الاشتراكية ولو كان هذا برنامجهم لما اضحوا القوة السياسية الرئيسية في ايطاليا. انهم، على العكس يتبنون برنامج تجديد الرأسمالية الايطالية وتطويرها، في مواجهة البرنامج الاميركي لتهميش ايطاليا. فالدولة الايطالية الان، تعيش ازمة عامة تشلّ ديناميكية اقتصادها وتعجزها عن المحافظة على وضعها، فما بالك بتطويره، في السوق العالمي، وتكاد تفتك بالوحدة الايطالية.
ايطاليا في النظام الدولي الجديد تعيش على شفا الانهيار، مهددة بالانقسام والتفتت والتلاشي واجهزة الدولة-بقطاعها العام الضخم منخورة بالفساد ومحكومة بسيطرة عصابات المافيا، والاحزاب الايطالية التقليدية استنفذت نفسها، وانتهت الى ادوات فاسدة بين الأميركان والمافيات… ومن جديد لم يبق في الساحة سوى الشيوعيين والفاشست. ولكن هذه المرة يطرح الفاشست برنامجا انتحاريا، بينما يتبنى الشيوعيون قضية الدولة الايطالية. لقد وضعوا ايديهم على ما هو ضروري لإيطاليا في هذه المرحلة بالذات، فحصدوا تأييد الامة!
يريد الشيوعيون الايطاليون جهاز دولة خفيفاً وكفوءاً ونزيهاً ولذا، فهم يثبتون برنامج خصخصة واسعاً، وبرنامج تطهير ولا مركزية، ويتوعّدون الفساد والمافيات! انهم يسعون ببساطة الى ازاحة ثلاث عقبات اساسية تعدت تطور الرأسمالية الايطالية، وهي اداة البيروقراطية المتضخمة الفاسدة واجهزتها واحزابها وقطاعها العام وثانيا، الفساد والمافيات، وثالثاً، الاتجاهات الانفصالية والتهديد الفاشي.
وبالمقابل، يهدد الشيوعيون الايطاليون موافقة البرجوازية على البرامج العمالية والشعبية، تعميق الديمقراطية والمشاركة، وتطوير الضمانات الاجتماعية، والحد من البطالة، وتحسين مستويات المعيشة والخدمات الخ.
برنامج الشيوعيين الايطاليين، بالمحصلة، برنامج قومي، أي انه يحاول التعبير عن المصالح المتناقضة للطبقات الاجتماعية الرئيسية، والتوفيق بينها في مشروع بناء جمهورية جديدة قادرة على العيش في مواجهة النظام العالمي -الاميركي! وفي اعتقادي ان الشيوعيين الايطاليين ما يزالون يمثلون الطبقة العاملة الايطالية ولكن العمال في البلدان المهمّشة والمعرضة للتهميش الان، ليس في امكانهم سوى تبني برنامج قومي.
ان الجرأة على الاستجابة لما هو ضروري قومياً بغض النظر عن المستبقات الايديلوجية، هو برغماتية، ولكنها برغماتية، تؤدي دورا تقدميا لأن انهيار ايطاليا وتفتتها وتهميشها لا يصب في مجرى التقدم العالمي، بل في طاحونة الحقبة الاميركية، ونكوص الشيوعيين الايطاليين عن تبني مهمة تجديد الدولة الايطالية سيؤدي بها اما الى سيطرة الفاشست واما الى الانهيار. وكلاهما خياران سيئان بالنسبة للكادحين الطليان.