الحركة الوطنية الاجتماعية هي تكوين تاريخي جديد في بلدنا, يربط ربطا محكما بين تراث الوطنية الاردنية الممتد من اواسط القرن التاسع عشر في نضال العشائر نصف البدوية نصف الفلاحية, لبناء مجتمع جديد يقوم على الانتاج الزراعي المختلط من زراعة الحبوب والكروم وتربية الماشية في مستقرات ومتّحدات اجتماعية مستقرة مرتبطة بالارض التي جرى تحديدها كإطار حيوي انتاجي في حدود الاردن الحالي التي لا تتطابق بالضرورة مع التغييرات اللااجتماعية التي فرضها المستعمرون في الحدود السياسية التي اقتطعت اجزاء من ذلك الاطار الحيوي لاهداف جيوسياسية.
شخصية المجتمع الناشىء تجلت في مزيج فلاحي بدوي, حافظت العشائر, في سياقه, على تنظيمها القتالي وروابطها العشيرية وتحالفاتها في مستقرات انتاج فلاحي, لم تعرف, عموما, الملكية الخاصة للارض, بل الواجهات العشائرية والاستخدام المساواتي للحقول والمراعي.
تجلت الوطنية الاردنية في لحظات درامية منها صد غزوة ابراهيم باشا ,1830 والثورة على الاتراك ,1910 وكلاهما في الكرك, كما في القتال البطولي للصخور والبلقاوية لدحر الغزوات الوهابية في عشرينيات القرن العشرين, ومن ثم في النضال ضد الانتداب والصهيونية لاحقا, وخصوصا على اسوار القدس ,1948 ومعركة الكرامة .1968
غير ان محتوى الوطنية الاردنية تشكّل في المضمار السياسي من خلال المؤتمرات الوطنية المنعقدة بين 1928 و,1935 والتي ارست تقاليد المطالبات بالحكم الدستوري وبناء الدولة والعدالة الاجتماعية والمواطنة. وهي قيم الرعيل الاول, ثم في تجربتي سليمان النابلسي الديمقراطية ووصفي التل الوطنية التنموية. كما في تجارب الشيوعيين والبعثيين من مواقع شعبية.
الحراك الشعبي في السنتين الاخيرتين ربط, بصورة عضوية, بين النزعة الوطنية المتصاعدة من اكتشاف الذات وتوحيد الشعب الاردني بكل مكوناته ازاء خطر المشروع الصهيوني للوطن البديل ومخططات الانشقاق الاهلي والتدخل الامريكي في شؤون البلاد, وبين النزعات الراديكالية الاجتماعية المعادية للنهج النيوليبرالي والكمبرادورية والخصخصة المرتبطة بالفساد والاثراء من جهة, وبالبطالة والفقر والتهميش من جهة اخرى.
وهكذا, اصبح للوطنية الاردنية تطلعٌ وحدوي داخلي وعروبي, ومضمون معاد للامبريالية والرأسمالية المتوحشة, والصهيونية والرجعية, و طموح الى بناء دولة القطاع العام الحداثية القائمة على الديمقراطية الاجتماعية والسياسية والتنمية الشعبية واستنهاض الاطراف والمحافظات في عملية تنموية وطنية جديدة.
ومن حسن الحظ ان هذه الحركة, الجديدة نوعيا, توصلت مؤخرا الى تكوين اول احزابها, حزب التحرر الوطني الاجتماعي الاردني. ويدل اسم هذا الحزب المصاغ بدقة على مضامينه واتجاهاته.
وللحزب ميزتان اساسيتان, اولهما ان مؤسسيه هم من الشباب, وتحديدا من نشطاء ومناضلين في الحراك الشعبي, ومن مختلف المحافظات, ومن مختلف المكونات, ولا يوجد بينهم زعماء او ما شابه, بل يتطلعون الى مشاركة عدد من المثقفين الذين سيشكلون هيئة استشارية للحزب ولا يتدخلون في هيئاته ونشاطاته. فالحزب المستقل عن كل المؤثرات, والنابع من تجربة نضالية ميدانية, ينبذ التراتبيات القديمة, وثانيهما ان الحزب عبّر بخطوط عريضة وجمل بسيطة عن عقيدة فكرية سياسية متماسكة, اساسها الربط المحكم بين الوطني والاجتماعي, بما يؤهّل الحزب الى القيام بالتعبئة المتزامنة للفئات الاجتماعية والتجمعات الشعبية التي تمثّل الشعب الكادح وطموحاته.العرب اليوم