ناهض حتّر
كنت حاضرا في اجتماع عقده المنتدى الاجتماعي الاردني، 19 تموز الماضي، لممثلي التنظيمات والشخصيات الشيوعية الاردنية، وكانت احدى النقاط المطروحة على جدول الاعمال، تشكيل ملتقى لليسار الاردني يجمع كلمة فصائله في القضايا المفصلية. فإذا لم يكن ممكنا، بعد، توحيد اليسار الاردني تنظيميا، فأقله يمكن توحيده سياسيا.
اعترض ممثلو الحزب الشيوعي الاردني على قيام الملتقى، وهكذا صدر بيان عن المجتمعين حول العدوان الاسرائيلي على لبنان، بتواقيع التنظيمات والتجمعات الحاضرة، وليس باسم «الملتقى».
انفلاش التجربة التي تابعتها بانتباه، كان، بالنسبة لي، دليلا جديدا على الاستحالة النظرية والعملية والسياسية لإعادة بناء تيارات آفلة على أساس رباط ايديولوجي، مزقته الانقسامات السياسية والتنظيمية والشخصية.
الماركسية -عندي – هي، مثلما يقول جاك داريدا، «فلسفة المستقبل»، والمثال الاشتراكي ما يزال، وسيظل، الوحيد القادر على إعادة بناء العالم على أسس العقلانية والعدالة الاجتماعية والحرية والسلام.. إلاّ ان الحركات التي انبثقت من التجربة السو ييتية تلقى مصائر مختلفة. فبعضها مات فعلاً، وبعضها تحول الى الليبرالية.. وقليل منها استطاع ان يعيد تجذير قواه مثل الحزب الشيوعي اللبناني، الأمر الذي عجزت الحركة الشيوعية الاردنية عن انجازه.
لقد لعبت هذه الحركة دورا مهما جدا في تطور المجتمع الاردني تاريخيا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فهي جذرت مفاهيم الوطنية والعداء للاستعمار والعدالة الاجتماعية في بلدنا، كما انها أسهمت في دفع قضايا مثل تحرير المرأة ونشر الثقافة التقدمية، وقدمت، لكل مناحي الحياة الاردنية، كادرات مهنية وعلمية وأدبية واعلامية وسياسية بارزة، ولا ننسى بالطبع آلاف البعثات الدراسية التي اتاحت للفقراء من ابناء العرين الاردني، الحصول على التأهيل الجامعي، وفي الوقت نفسه، الشعور بالذات الوطنية، ومعرفة الثقافات والشعوب.
… إلاّ ان كل ذلك أصبح من الماضي الآن، وهذا لا يعني أنه غير ثمين، لكنه يعني أنه آن الأوان للتفكير في المستقبل، وهو ما يتطلب جهودا فكرية وسياسية من نوع جديد.
لم يستطع «الحزب الشيوعي الاردني»، وهو يشكل جناحا من اجنحة الحركة الشيوعية الاردنية، التفاهم مع الأجنحة الاخرى، على تشكيل هيئة سياسية موحدة لرفاق الخط الواحد. وبدلاً من ذلك قفز الى مشروع بناء تيار وطني ديمقراطي «مع الديمقراطية» و«الشعبية» فهل هو لقاء «الازمات» الثلاث؟ وكيف يمكن لجناح شيوعي ان يذهب الى جبهة مع قوى اخرى، بينما هو عاجز عن التفاهم مع ابناء البيت.. أم انه خيار سياسي يهدف الى منع قيام تيار يساري اردني متجذر في الدولة الوطنية الاردنية؟
لقد صغر الحزب الشيوعي الاردني دوره الوطني الضروري في السبعينات والثمانينات بالتبعية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم بالانقسامات، والانضواء- في التسعينات، في هيئة معارضة يقودها الاسلاميون.. وها هو الآن، وقد تحول الى جناح صغير يتهرب من الاستحقاق الوطني والاجتماعي الاردني بالسعي الى المشاركة في تيار مع «الديمقراطية»و«الشعبية» ودفعا للالتباس علينا ان نوضح اننا لا نعترض على هذين التنظيمين، عداوة. إلاّ اننا نرى ان أولوياتهما السياسية مختلفة، كما ان ارتباطاتهما- المعلنة- خارج الحدود، تجعلهما عاجزين عن الانخراط في تأسيس وتجذير انطلاقة جديدة لحركة اليسار الأردني.