ناهض حتّر
، هناك بالفعل تياران في الاردن: محافظ وليبرالي، لكن التيار الثالث – الوطني الديمقراطي – ما يزال احتمالاً،
العلاقة بين الصحافة والسياسة في بلدنا متشابكة للغاية، والعديد من الكتاب الصحافيين الاردنيين هم معبرون عن تيارات سياسية ما تزال عاجزة عن تقديم خطابها السياسي بصورة منهجية ومثابرة وعبر وثائق ذات مستوى تحظى بالقراءة. ولذلك فان المقالات التي تنشرها الصحافة الاردنية هي اكثر من مقالات صحافية او مقالات رأي انها بالاحرى تعبيرات سياسية. وربما يكون هذا هو السبب الرئىسي وراء الاهمية الاستثنائية التي تحظى بها الاعمدة الصحافية في الاردن.
وقد لاحظت مؤخراً، ان «المجموعة الاقتصادية» المسيطرة على القرار الحكومي، لجأت هي الاخرى الى التعبير عن نفسها من خلال مقالات صحافية موقعة، كان ابرزها المقال الذي اسندت «المجموعة الاقتصادية» كتابته الى عضو فيها ليس من الوزراء العاملين هو الدكتور فواز الزعبي وقد نقدت هذا المقال، في العرب اليوم، «الثلاثاء والاربعاء الماضيين».
زميلنا جميل النمري هو كاتب صحافي مقروء،، وهو في الوقت نفسه، رئيس المجلس المركزي لحزب اليسار الديمقراطي واحد الفاعلين الاساسيين في انشاء «التجمع الديمقراطي». وقد علق بالامس، على مقال الزعبي، فامتدحه، واعلن انه «يوقع عليه» مع «تحفظين». وبغض النظر عنهما فمن الواضح ان الحوار يتم حلفاء، وليس بين معسكرين.
ولذلك، فان ما لاحظة الزميل فهد الخيطان في «العرب اليوم» «الثلاثاء الماضي» عن بروز ثلاثة تيارات في السياسة الاردنية «التيار المحافظ، والتيار الليبرالي الجديد والتيار الوطني الديمقراطي» ربما لا يكون سوى احتمال. هناك بالفعل تيار محافظ «وطني تقليدي».
يعبر عنه الان، سياسياً، النواب المعارضون لحكومة بدران وهناك ايضاً، تيار نيوليبرالي «كمبرادوري» تعبر عنه «المجموعة الاقتصادية» في هذه الحكومة. لكن التيار الوطني الديمقراطي ما يزال بعد، احتمالاً وفكرة لم يتجسد في تيار سياسي.
تيار «التجمع الديمقراطي» الذي يضم عناصر واجواء ىسارية» هو، في الحقيقة، اقرب ما يكون الى التيار النيوليبرالي واذا كان صحيحاً ان التيارين السابقين يتعارضان في التفاصيل، فانهما يتفقان على الاولويات الاساسية، ولا يتناقضان نوعياً، في ثلاث قضايا جوهرية هي:
«1» الموقف من التركيبة التكوينية والهوية الوطنية للدولة الاردنية، وتاريخيتها، ومضمونها الاجتماعي – السياسي. اذ يسود لدى هذين التيارين موقف اللامبالاة ازاء هذا الموضوع الذي يمثل لدى الوطنيين الاردنيين، الاولوية على جدول الاعمال.
«2» الموقف من الدور الاقتصادي- الاجتماعي للدولة، والقطاع العام، وآليات تكوين الاقتصاد الوطني. فالتيار «الديمقراطي» لا يعترض، جوهرياً، على عقيدة الخصخصة الشاملة. ولا على الدور القيادي للقطاع الخاص ومحورية النشاط الكمبرادوري.. او ان ذلك التيار، على الاقل، لا يملك تصوراً بديلاً لاقتصاد وطني متمحور على ذاته، يقوم على اولوية المصالح الاجتماعية. وهي النقطة الجوهرية التي تفصل اليساري عن سواه.
«3» الموقف من التوطين. فاذا كان التيار الليبرالي الكمبرادوري يقترح التوطين السياسي بصورة واضحة وقاطعة، وفي سياق اعادة تأسيس الدولة الاردنية وتغيير هويتها جذرياً، فان التيار «الديمقراطي» لا يقترح شيئاً محدداً، وموقفه من التوطين غامض. او قل انه غير متوافق على صيغة للتعاطي مع هذا الملف.
على كل حال، فان الليبرالية السياسية هي «اولوية» لدى التيارين، في حين ان التيار الوطني الديمقراطي له اولوية اخرى هي الحفاظ على كيان الدولة، وتطويرها ديمقراطياً وفق ثلاثة اسس «1» الانتماء العربي – الاسلامي واستحقاقاته «2» تعزيز الاستقلال الوطني، واخضاع العلاقات الخارجية، السياسية والاقتصادية، للمصالح الوطنية «3» التأكيد على المصالح الاساسية للاغلبية الشعبية، ودور الدولة الاقتصادي – الاجتماعي.