ناهض حتّر
من اجل فهم العلاقة المعقدة بين الاحتلال الامريكي والتمدد الايراني في العراق، يمكننا ان نضعها في اطار اصطلاح مفهوميّ هو: «التواطؤ العدائي».
ان الغزو الامريكي للعراق، واحتلاله، وتحطيم دولته، لم يكن ممكناً من دون تسهيلات قدمتها عدة اطراف اقليمية من بينها ايران. لكن الايرانيين هم الذين قدموا الحامل السياسي للمشروع الامريكي في بلاد الرافدين، من خلال التنظيمات السياسية والمليشيات التابعة او الحليفة لهم. وهي التي – بالدعم الايراني السياسي والمالي واللوجستي والأمني- تمكنت من السيطرة على المناطق ذات الاغلبية الشيعية في البلد، وقدمت القاعدة للعملية السياسية الاحتلالية، وحالت بين الجماهير الوطنية في تلك المناطق وبين مقاومة الاحتلال وهو ما عمّق الطابع السنّي للمقاومة العراقية، وفتح الباب أمام الانشقاق الوطني.
في هذا السياق بالذات، حدث التمدد الايراني الذي شكّل ضرورة لا غنى عنها للاحتلال ودوامه. وأكرر ان ذلك التمدد كان ضرورة امريكية، وليس تسللاً ايرانياً ناجماً عن أخطاء امريكية.
لكن هذه العلاقة الواقعية بين الامريكيين والايرانيين في العراق، لا تعني ان الطرفين ليسا في حالة عداء. فبالنسبة للولايات المتحدة فهي تسعى الى اضعاف ايران واخضاعها، وبالنسبة للايرانيين فانهم يستخدمون «الورقة» العراقية للدفاع عن نظام الملالي. وهو نظام قوموي – ديني له اطماع اقليمية في العراق.
الصراع الامريكي – الايراني سوف يظل مقيداً «بالتواطؤ العدائي».
فلا استمرار المشروع الامريكي في العراق ممكناً من دون ايران، ولا نظام الملالي قادرا على خوض مجابهة شاملة مع ذلك المشروع.
ولذلك، فان استراتيجية بوش الصغير العراقية الجديدة، سوف تصطدم بالحقائق على الارض: واشنطن وطهران في حالة زواج كاثوليكي في العراق، يبقيان معاً.. ويغادران معاً.
يقول بوش الصغير ان انسحاباً امريكياً عاجلاً من العراق، سوف يؤدي الى سقوط الحكومة العراقية. وهذا صحيح تماماً، لكن معناه هو الغائب، ومعناه ان الانسحاب الامريكي سوف يؤدي الى انهيار النفوذ الايراني في البلد المنكوب باحتلالين.
فاذا كان العرب يريدون فعلاً، مواجهة التمدد الايراني في العراق، فليس أمامهم سوى مطالبة الامريكيين بالرحيل، عندها سوف يتغير ميزان القوى في الداخل العراقي، ويلحق الايرانيون بالامريكيين.
علينا ان نتذكر، دائماً، ان العراق، هزم جمهورية الملالي – وهي في عزها – وجرَّع مؤسسها «الخوميني» كأس الاستسلام. ولم يحدث ذلك بفضل المساعدات الغربية ولا بسبب جبروت النظام السابق. هذان عاملان فرعيان بالنهاية. فالذي حارب ايران. وهزمها – هو الارادة التاريخية للمجتمع العراقي الذي يمنعه الاحتلال الامريكي – الآن – من النهوض والتوحد وإعادة تكوين دولته وأدواته.
العراق – كتكوين تاريخي اجتماعي ثقافي – أرقى وأقوى من ايران. والعراق الحر – وليس دول الخليج زائد – هو الذي يستطيع دحر الايرانيين الى ما وراء الحدود.
ايران – على الرغم من كل الضجيج الدعائي منها وحولها – هي دولة هشّة مركبة من قوميات ومذاهب وقابلة للانفراط غير القابل للجمع، في حين ان الانشقاق السني – الشيعي في العراق، يمكن لحمه بالانتماء العربي والوطني العراقي.
لم تحقق ايران أي اختراق تنموي رئيسي. وهي تغرق في التخلف والفقر وسوء ادارة الموارد في ظل اقتصاد ريعي يعتمد على الصادرات النفطية الآفلة.
واذا ما نظرنا الى ايران من الداخل سوف نجدها عاجزة، منشقة سياسياً وثقافياً بين تيارين متصارعين استراتيجياً – الارثوذكسي والاصلاحي – ونظام الملالي هو في موقع دفاعي صريح… وتدخلاته في العراق. والمنطقة – هي تعبيرات دفاعية عن دولة مأزومة تواجه خطراً ماحقاً.
نحن نرفض، بالطبع، أيّ مسوّغ يمنح الايرانيين، الحق في استخدام العراق كورقة أو ساحة للدفاع عن الذات، حتى في مواجهة الولايات المتحدة. لكننا نجزم بأن ازاحة النفوذ الايراني من العراق.. هو مهمة عراقية، يستطيعها المجتمع العراقي حين يتحرر من الاحتلال الامريكي.