ناهض حتّر
يتبنى تقرير امني امريكي «نهلت منه عدة مطبوعات عربية» التسريبات الايرانية «المتعمدة» حول الخطط والاذرع التي اعدتها طهران للانتقام الشرس من هجوم امريكي محتمل على الجمهورية الاسلامية.
وتشمل تلك الخطط: انتفاضة مسلحة ضد القوات الامريكية والبريطانية في العراق، وقصف اهداف اسرائيلية من الاراضي الايرانية واللبنانية، وتنشيط العمليات الفلسطينية، بالاضافة الى اطلاق سلسلة من عمليات التخريب «المحلية» ضد اهداف امريكية واقتصادية ونفطية في عدة بلدان غربية وعربية، وخصوصا الخليجية، وسوف يتم تنفيذ هذه الخطط عبر ادوات هي الميليشيات الشيعية في العراق، وحزب الله في لبنان وخلاياه العاملة في بلدان عربية واوروبية، والتيار الايراني في «حماس» وتنظيم الجهاد الاسلامي، بينما لعبت سورية وتلعب ادوارا لوجستية وامنية مهمة ومعقدة في الاتصال والنقل والادارة «ويستطيع القارىء المهتم بالتفاصيل العودة اليها، مثلاً، في العدد الحالي من مجلة «روز اليوسف» المصرية.
في رأيي فان العنصر الجدي الوحيد في هذه الخطط، هو المتعلق بقيام انتفاضة شيعية مسلحة ضد المحتلين الامريكيين والبريطانيين في العراق، وذلك، بسبب «1» ضعف الهدف وانكشافه «2» الاستعداد الميداني للمليشيات الشيعية «3» الشرعية العراقية والعربية والدولية لانتفاضة ضد الاحتلال الاجنبي، تتوفر لها كل عوامل القيام والنجاح، لولا ان طهران تكبحها حتى الان، وتساوم واشنطن، بالمقابل، على الاعتراف بها «1» قوة نووية «2» ولاعباً رئيسياً في السياسة العراقية «وهو ما يعني انتقال ايران الى موقع القوة الاقليمية المهيمنة في المنطقة كلها».
واذا كنت لا استبعد امكانية الرد الايراني بضربة صاروخية متعجلة وضعيفة التركيز على اهداف اسرائيلية، فانني اميل الى القول بأن حزب الله مقيد باعتبارات لبنانية عديدة، عن منح اسرائيل العذر لشن حرب شاملة على لبنان – قد تشمل سورية ايضاً – وهكذا ترى انه قد يكون هنالك قيود سورية حاسمة على حركة حزب الله، بما لا يخرجها عن الحسابات الدقيقة للقيادة السورية، علما بأنه من دون موافقة ودعم دمشق، فانه من الصعب القيام بعمليات اساسية انطلاقاً من الاراضي اللبنانية، فهل ان سورية مستعدة لانهيار جبهتها اللبنانية المعقدة، والدخول في حرب مع اسرائيل في ظل العزلة العربية والدولية؟ انني استبعد ذلك، مثلما استبعد ان تغامر «حماس» بموقعها في السياسة الفلسطينية في سياق خدمة اجندة ايرانية. وسيظل الامر محصورا ببضع عمليات انتحارية تقوم بها منظمة «الجهاد الاسلامي» في حين انني اشك – جدياً – بامتلاك ايران لشبكة تخريب في اوروبا والبلدان العربية، الا اذا تفاهمت مع تنظيم «القاعدة» فهل هذا ممكن؟
اعني، بالمحصلة، أن التهديدات الايرانية، مبالغ فيها الى حد كبير. ومن المفهوم ان تسرب طهران، «معلومات» مضخمة عن قدراتها على الرد، باعتبار ذلك جزءاً من استراتيجية الردع، ودعوة الامريكيين الى التفكير، مرتين، قبل مهاجمة ايران. ولكن ما يحتاج الى التفكير فعلاً هو الاجابة على هذا السؤال: لماذا يتبنى الامريكيون ترويج التسريبات الايرانية؟ واجابتي هي ان واشنطن تبث الفزع في البلدان العربية والاوروبية، من اجل تكوين جبهة ضد ايران وحلفائها في المنطقة. وهذه الجبهة تتشكل بالفعل، على اساس اقناع الرأي العام المحلي في كل بلد من بلدان «الجبهة»، بأن ايران تمثل خطراً مباشراً على الامن الوطني، ما يكفل نوعا من التأييد الشعبي العربي للحرب على ايران، خصوصاً وان السياسة الايرانية في العراق هي موضع شجب وتنديد الشعوب العربية وحركاتها الوطنية.
الولايات المتحدة لن تهاجم ايران قبل ان تنسحب من العراق – لتلافي الخطر الجدي الوحيد على قواتها هناك – ولدى انسحابها، فان «الحرب الاهلية» في العراق، ستكون احدى اقوى الجبهات ضد ايران، وذلك بعقول وسواعد عراقية.. وعربية.
يمكن للعراقيين، احباط المخططات الامريكية، مرة اخرى، باتحادهم في حركة وطنية واحدة ومقاومة موحدة ضد الاحتلال الامريكي والنفوذ الايراني معا. ومن حسن الحظ ان هناك مؤشرات جدية على ان فصائل المقاومة العراقية «السنية» ما تزال ترفض التفاهم مع الامريكيين، كما اتضح، بصورة لا تقبل الشك، بأن فصائل المقاومة العراقية الجديدة في مناطق الجنوب والوسط «الشيعية» لا علاقة لها بالايرانيين او بالمرجعية الشيعية او بالاحزاب الموالية لطهران. فهي تشكلت من الفئات الاجتماعية والعناصر نفسها التي سبق وتشكلت منها الفصائل «السنية» اي من ابناء العشائر العربية وضباط وجنود الجيش العراقي «السابق» وهو ما يشكل اساساً متيناً لاتحاد قوى المقاومة العراقية من البصرة الى كركوك، ويساوي نهضة العراق واعادة بناء الدولة العراقية، المصدّ الوحيد الفاعل على «البوابة الشرقية».