التسوية الداخلية في لبنان ضرورة وطنية واقليمية

ناهض حتّر
بدأت في لبنان، امس الثلاثاء، مرحلة جديدة من تصعيد الصراع، بالاضراب العام وقطع الطرقات الخ.. واذا لم تستجب حكومة السنيورة لهذا التحرك ايضاً، فمن الواضح ان المعارضة سوف تنتقل الى مرحلة ثالثة من الاشتباك. وهناك خطر جاثم في ان يتحول الصراع السياسي-كما في العراق-الى صراع مذهبي اسود.
مطالب المعارضة اللبنانية-وهي تمثل قوى اساسية-ليست قصووية، بحيث تلح السلطات على رفضها، مهما كان الثمن. فما يريده المعارضون هو المشاركة في القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وليس اطاحة النظام القائم في لبنان.
تتشكل المعارضة اللبنانية، رئيسياً، من قوتين كبيرتين هما حزب الله والتيار الوطني الحر – بالاضافة الى القوى المؤيدة لسورية والقوى النقابية – واشراك هذه القوى وفقاً لاحجامها، في النظام السياسي اللبناني، يمثل ضرورة وطنية واقليمية للاسباب التالية:

1- استيعاب قوة حزب الله في اطار الدولة. والحزب يريد ذلك الان، طالما ان جبهة الجنوب قد تم تجميدها، من جانبي الحدود. ففي المدى المنظور على الاقل، لا اسرائيل قادرة على تجديد عدوانها ولا حزب الله قادر على تسديد فاتورة حرب اخرى. ويفتح هذا التوازن، الباب، امام فرصة نادرة لتسوية القضايا الخاصة بلبنان في الصراع مع اسرائيل.

2- استيعاب التيار الوطني الحر، يشكل مدخلاً ضرورياً لتصحيح الوضع الملتبس للمشاركة المسيحية في المعادلة اللبنانية، فمنذ الـ 91 جرى شطب الحضور المسيحي المستقل في هذه المعادلة، لصالح زعامات مسيحية موالية لسورية او مصطنعة من قبلها حتى 2005 او لصالح زعامات موالية لآل الحريري او مصطنعة من قبل «تيار المستقبل»، بعد ذلك. وبالمحصلة يشعر اغلبية مسيحيي لبنان انهم غير ممثلين، فعلاً، في النظام السياسي، وهم يلتفون حول الجنرال ميشيل عون، باعتباره رمزا للمشاركة المستقلة.

3- استيعاب الاحزاب والقوى المقربة من دمشق، هو مدخل لا بد منه، لتصحيح وتحسين العلاقات السورية-اللبنانية.

4- مشاركة القوى النقابية والعمالية في القرار الاقتصادي-الاجتماعي، يشكل ضمانة للتسويات الاجتماعية اللازمة لاستمرار وحدة الدولة، ودورها في مواجهة التصعيد المتوحش لليبرالية الجديدة ضد الفقراء والفئات الوسطى.

ولا يمكن «لتيار المستقبل» وحلفائه، الاستمرار في تجاهل هذه القوى الاربع، خصوصا انها تستند الى تنظيمات جماهيرية صلبة ومنتشرة والاهم انها تعبر عن طائفتين اساسيتين في لبنان، الطائفة الشيعية والطائفة المسيحية، وتكمن، في هذا الواقع، خطورة فادحة هي ان «تيار المستقبل» لن يستطيع الصمود من دون تجييش الطائفة السنية وراءه، الامر الذي يفتح بوابات الجحيم، في ظل مشهد اقليمي عنوانه احتدام الانشقاق المذهبي.
ومثلما هو الحال في العراق، وفلسطين – وفي كل البلدان العربية – فان التدخل الامريكي، العسكري او السياسي، هو الذي يعرقل التسويات الداخلية الممكنة. وبالنسبة للبنان، فان التدخلات الخارجية مضاعفة بالنظر الى الدور الفرنسي-والاوروبي- السلبي، وبالنظر الى هشاشة البنية اللبنانية التي تسمح، مباشرة، بالتدخلات الاقليمية.
اذا انفرط لبنان، فسيكون ذلك، بالدرجة الاولى، لاسباب داخلية، لكن، في التحليل الاخير، فان الراعي الرئيسي للكارثة، هو بلا مراء، العناد الاجرامي العصابي للبيت الابيض.

Posted in Uncategorized.