الترانسفير الثالث,وضرورة دسترة فك الارتباط بين الضفتين

قبل حوالي الشهرين، كنت واحدا من الموقعين على بيان يطالب بدسترة قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية وتنظيم المواطمة بين المملـكة والسلطة الفلسطينية بما يضمن منح أكثر من مليون فلسطيني مقيمين في الأردن ـ ممن يحملون تصاريح صادرة عن الاحتلال ـ الجنسية الفلسطينية ، وتشجيع عودتهم الفعلية إلى الضفة الغربية ، بوسائل معنوية واقتصادية ، وفي الأقل ٺثبيت المواطنة الفلسطينية ، إن لم يكن واقعيا فسياسيا .
كنا نستشعر الخطر المقبل ، ونطرح وحدة وطنية محورها التصعيد السياسي ضد إسرائيل ، وإعتبار قضية العودة ، وليس ملف الدولتين ، القضية الرئيسية للديلوماسية والعمل السياسي الأردني .
يومها أصدر لفيف من تيارات مختلفة ، بيانا مضادا اتهمونا فيه بالفاحشة الوطنية والعنصرية الخ وأكدوا ، بالمقابل، على رفض قرار فك الارتباط كليا بصفة ذلك ” ثقافة مقاومة ” !!!
غدا ، الثلاثاء، يبدأ تنفيذ أمر عسكري إسرائيلي يعتبر المسجلين في غزة والمقيمين في الضفة ” متسللين ” إلى الأخيرة ، ويشمل الأمر العسكري ـ وعقوبة مخالفته السجن سبع سنوات ونصف ـ أصنافا من الفلسطينيين المقيمين في الضفة من بينهم المقادسة وفاقدي التصريحات ، وعددا كبيرا ممن عادوا في إطار اتفاقيات أوسلو ، والحاصلين على جنسيات أخرى ـ وأكثرهم من حملة الجنسية الأردنية ـ وأزواج وزوجات مقيمين ” قانونيېن” . وعلى رغم اتضاح هذه البنود ، فإن الأمر العسكري فضفاض للغاية وغامض وله جوانب سر ية.

تنفيذ هذا الأمر العسكري الصهيوني معناه الآتي:

(1) استخدام آليات التهجير إلى غزة كجزء من خطة أمنية من جهة ، وسياسية (تكريس القطيعة بين الضفة وغزة).
(2) تهديد عشرات الآلاف من أبناء الضفة بالتهجير أو السجن، جراء نزع الصفة ” القانونية” عن إقامتهم في الضفة ، وبالتالي تقييد قدرتهم على العمل السياسي الوطني ضد المحتلين والجدار والاستيطان واغتصاب الأراضي
(3) عزل القدس، سكانيا وسياسيا، عن الضفة ، بعد عزلها ” قانونيا ” ، في إطار إجراءات تهويدها ،
(4) وإذا كان طرد أكثر من سبعين ألف مواطن من الضفة ، دفعة واحدة ، ما يزال صعبا من الناحية اللوجستية والسياسية ، فإن الأمر العسكري سوف يحوّل حياة هؤلاء إلى مطاردين لمجرد وجودهم على الأرض ، ويدفعهم إلى هجرة طوعية كثيفة،
(5) أما الأثر الأفدح والواقعي والممكن لقرار الترانسفير العسكري الإسرائيلي ، فيتعلق بتعطيل وعرقلة ونزع ” الحق القانوني ” للفلسطينيين القاطنين في الأردن من أبناء الضفة الغربية أو لأولئك القاطنين فيها ولـكنهم يعتبرون ، منذ الآن، ” متسللين” لأنهم من تابعية أخرى هي التابعية الأردنية.

وهكذا ، فإن القرار العسكري الإسرائيلي، يشكّل بحد ذاته ، نهاية ” قانونية” لحقوق فلسطينيي الضفة المقيمين خارجها بموجب تصاريح أو الحاصلين على الجنسية الأردنية وفق نظام البطاقات . ومعظم هؤلاء موجودون في الأردن.

إسرائيل ، وفق هذا التطور، تدعو الحكومة الأردنية وفلسطينيي الضفة في المملـكة والفلسطينيين المجنسين أردنيا فيها ، إلى نقع البطاقات الصفراء والخضراء والزرقاء وشرب عصيرها !! تل أبيب تعلن ، من دون التباس ، حربا على المملـكة . ومع ذلك يتطوع الناطق الرسمي ـ وباسم وزارة الخارجية ـ للدفاع عن إسرائيل ، ونفي صحة القرار الإسرائيلي بالترانسفير الثالث ! القرار الصهيوني ليس جديدا . الجديد فيه تحو يله إلى أمر عسكري لا يُطعن فيه أمام المحاكم .
والجديد فيه غموضه وسعته وشموله . ولربما تنجح جهود جبارة في تأجيله مؤقتا، لـكن أصبح من الواضح أن السياسة الأردنية الرخوة إزاء إسرائيل ، لم تعد ذات معنى إلا القبول بالإملاءات .
وإذا لم تطرح الحكومة الأردنية فورا ، وبلا تأخير، صيغة لدسترة فك الإرتباط وتنظيم المواطنة بين المملـكة والسلطة ، فسنكون معذورين بالقول إن الجانب الرسمي الأردني ربما يكون متورطا في الموافقة على توطين أكثر من مليون فلسطيني من مواطني الضفة الغربية في الأردن بصورة نهائية . وإذا لم يكن هنالك تورطا ً، فالنتيجة هي نفسها .
مواجهة العدوان الإسرائيلي الجديد ، لا يكون ب ” الاستيضاح ” ولا ب”الإطمئنان” إلى نفي الخارجية الصهيونية ، ولا يكون باستمرار الكلام الببغائي عن حل الدولتين ، وإنما بالشروع فورا بدسترة قرار فك الإرتباط لسنة 1988 وقوننته وإلغاء نظام البطاقات برمته وٺثبيت هوية وجنسية الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية ، سواء منهم الحاصلون على الجنسية الأردنية وما زالوا مقيمين في الضفة وأصبحوا الآن ـ بموجب الأمر العسكري الإسرائيلي ـ ” متسللين ” إليها أو أولئك الذين يقيمون في المملـكة ويحملون الجنسية الأردنية وتصريح الاحتلال !
المطلوب الآن الرد على الحرب الإسرائيلية المعلنة بتغيير شامل في السياسة الأردنية، يتخطى قطع العلاقات وتجميد وادي عربة إلى اعتبار حق العودة هو القضية الأردنية رقم 1

أما أولئك من خفافيش المعارضة التقليدية غير الوطنية ممن وقّعوا على بيان التوطين المشؤوم ، فعليهم الآن ، مهما كانت صفاتهم ، أن ينكسوا رؤوسهم ، فقد اتضح أنهم كانوا يمهّدون لقرار الحاكم العسكري الإسرائيلي ، ويستعدون لاستقبال الترانسفير الثالث ، بحثا عن زيادة الحصة في نظام المحاصصة!

Posted in Uncategorized.