التالي على الأجندة

هنالك قناعة لدى النخبة السياسية الأردنية بأن النظام السوري سوف ينهار قريبا. والسيناريو هو منطقتان عازلتان على الحدود التركية والأردنية. سوف ينتهي الأمر سريعا, ثم تنتقل المدحلة الأطلسية إلى الجزائر!
لديّ خبرة شخصية مع العديد من السياسيين الأردنيين دلتني على أنهم يعرفون القليل جدا عن سورية. وأذكر أنني كنت أتحدى العديد منهم في توقعاتهم الأكيدة حول سقوط النظام السوري في الحملة الغربية الخليجية ضده عام 2005 . الحملة اليوم هي نفسها لكن لها قواعد فاعلة في الداخل السوري مما يطرح, على سبيل الفرضية, احتمال سقوط النظام. إذا حدث ذلك, لن نكون بإزاء تكرار نموذج سابق, بل بإزاء حرب أهلية شاملة ومديدة سوف تشمل لبنان أيضا.

ما يهمني, هنا, هو أن السياسيين الأردنيين, حتى أكثرهم حصافة, يعرفون القليل, أيضا, عن الأردن وتحولاته. والسؤال المطروح بهذه المناسبة هو حول متطلبات المنطقة العازلة على الحدود الأردنية. وأولها تماسك وهدوء المناطق الأردنية المجاورة.

تُنَبّهنا الأحداث التي شهدتها الرمثا ¯ المدينة الحدودية مع سورية ¯ بأن الوضع فيها قابل للإنفجار الشديد في أي لحظة, وعند أول شرارة , باتجاه العنف. كيف,إذاً, نريد سيادة القانون والإستقرار هنا, ثم نروّج ونسهّل للتمرّد المسلّح هناك?

قد تكون الجزائر, الرقم التالي على الأجندة, لكن ماذا بشأن الأردن?

الكتلة الشعبية الأردنية, فقدت الثقة ليس فقط في الدولة, لكن, أيضا, في السياسة والوسائل السياسية. في معان مثال آخر على موديل تحصيل الحقوق المشروعة بالعمل المباشر. وهو الموديل الذي يجد الإستجابة المتحمسة والعنيفة من قبل جمهور يئس من جدوى العمل السياسي.

سعت الحكومة إلى مراضاة الرمثا في قضية مقتل أحد شبابها في ظروف غامضة لدى الأمن, وتصرفت في معان بإيجابية, وأعادت أراضي التعاونيين المعانيين إليهم, بعدما كانت أمرت بتفويضها لشركة استثمارية. لكن معالجة المشاكل بالقطعة تقود إلى تعزيز موديل العمل الشعبي العنفي المباشر. وفي رأيي أن هذا الموديل, سوف ينتشر ويتسع ويغدو الظاهرة الأبرز في البلد; إذا قمعته السلطات فهي تغامر بانفجار عاجل, وإذا خضعت له, فهي تغامر بإنهيار هيبة الدولة وأدواتها بما في ذلك هيئاتها الدستورية وأحزابها السياسية وموالاتها ومعارضتها.

في الرمثا تجمّع غضب الأردنيين المتصاعد في كل مكان, وغضب الاحتجاج على إجراءات إدارية جمركية ضارة بمصالح الأهالي, وغضب الركود بسبب الأوضاع في سورية, في غضب قضية الشاب القتيل, وفي معان تبين أن النهج النيوليبرالي الكمبرادوري الذي أوصل البلد إلى كارثة إقتصادية واجتماعية, ما يزال هو المسيطر, وما يزال يسلب الأرض من أبنائها لصالح ‘المستثمرين’.

لم نَخْطُ خطوة واحدة نحو اجتثاث الفساد الكبير, ولا استعادة أموال وأراضي الخزينة, ولا مؤسسات القطاع العام , ولا مراجعة النهج الإقتصادي النيوليبرالي المولّد للثراء الفاحش وللفقر المدقع, ولم يتحرك ساكن في حل القضية الوطنية, قضية الكيان والهوية, ولا هنالك نية للبحث عن خيار خاص بنا للعدالة الاجتماعية. وحتى مشروع هيكلة القطاع العام, إلتفت عليه حكومة عون الخصاونة بالحفاظ على امتيازات نخب المؤسسات المستقلة, وهو ما سيعرقل تحسين ظروف الموظفين الكادحين من بروليتاريا القطاع العام.

سورية إلى حرب أهلية ستكون ظلالها ثقيلة على أردن معبّأ بملح البارود وينتظر الشرارة, وفي التمهيد سلسلة انفجارات صغيرة تؤدي إلى إلغاء الدولة والسياسة, نحو إنفجار الكبير في ظروف معقدة وتحفّز قوى إقليمية ودولية لاستغلال الإنفجار الأردني ضد الأردن والأردنيين.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.