ناهض حتّر
المنظمات والنشاطات الثقافية والاجتماعية والنقابية الحرة، قد تكون هي البديل لاعادة احياء السياسة
نظمت «الجمعية الاردنية لمناهضة العولمة الرأسمالية»، خلال الايام 20 و 21 و 22 من الشهر الحالي، «المنتدى الاجتماعي الاردني». وقد تحدث في جلساته اكثر من 30 متحدثا من شتى الاتجاهات والمشارب واثاروا قضايا وحوارات جدية موصولة اشترك فيها – تباعا – حوالي 400 مشارك يمثلون مواقع ومدارس واجيالاً. وقد انتهت هذه الحوارات الى ما يشبه الاجماع على وثيقة فكرية – سياسية بعنوان «الديمقراطية كمشروع اجتماعي» هي، ايضاً، عنوان مبادرة وطنية تقوم على الاسس التالية:
1 – ان الديمقراطية هي آلية لاتخاذ القرار الوطني. ولذلك، فهي مستحيلة في ظل التبعية للخارج او في ظل الاحتلال او القيود التي تفرضها العولمة على البلاد. وهي – اي الديمقراطية – بلا معنى، من دون تمكين جميع الفئات الاجتماعية من المشاركة المنظمة الحرة في صنع القرار.
2 – ان الانتقال الى الديمقراطية ليس عملية معزولة عن «أ» التنمية المتمحورة على الذات الوطنية، والمنفتحة على علاقات خارجية متسعة ومدارة لمصلحة الداخل «وليس العكس» «ب» العدالة الاجتماعية.
«3» ان الديمقراطية عملية وطنية لاتنفصل عن السيادة، وتحدث في سياق الدولة الوطنية، ودورها الاقتصادي – الاجتماعي – وفي ظروف الاردن كبلد ضعيف النمو – فانه لا غنى عن محورية القطاع العام في التنمية، سواء في الانتاج او الخدمات. القطاع العام، هنا، اساسي من اجل قيام الديمقراطية.
ويقطع هذا الفهم، كلياً، مع اطروحة الليبرالية الجديدة الكمبرادورية التي تحاول تسويق مشروعها لتفكيك الدولة الاردنية ودورها، وتحويل البلاد الى « منطقة حرة مفتوحة» سياسياً وديمغرافياً واقتصادياً، تحت شعارات «ديمقراطية» زائفة.
والقطع مع الليبرالية الجديدة لا يعني القطع مع الليبرالية الوطنية التي تمثل – موضوعيا – القطاع الخاص الوطني، بل ان المطلوب هو انشاء جبهة واسعة – اجتماعيا – لعزل الكمبرادور سياسياً واقصائه من الحلبة.
انتهى المنتدى الى وثائق وتوصيات في اطار تفعيل التيار الديمغرافي الاجتماعي. ولا اريد ان استرسل في الحديث عنها، ولكنني الاحظ – فقط – ان الحوارات الساخنة التي شهدتها جلسات المنتدى الاجتماعي الاردني، لم تكرر الرطانات التقليدية « للمعارضة» القديمة، القوموية والاسلاموّية واليسراوية، ولم تتعلق بمسائل ايديولوجية، او بالخيارات والولاءات الاقليمية والدولية، بل كانت تعكس روحاً جديدة، وتطرح الاسئلة المطروحة، بالفعل. على المجتمع الاردني. وربما يكون هذا هو – بالذات – الذي شد انتباه المشاركين، محاضرين ومشاركين، واطلق التفاعلات بين اتجاهات وشخصيات متنوعة للغاية، وانتج فعلاً فكرياً – سياسياً حياً.
ما يهمني – هنا – هو الدفع باستنتاجاتي الخاصة التالية:
«1» ان المشروع الوطني الاردني يحتاج، بالفعل، الى تجديد ديمقراطي شامل، يقدم رؤية جديدة للتعامل الحي مع المعضلات الوطنية ويطرح مفهوماً جديداً وآلية جديدة للتفاعل مع « العلاقات الخارجية» .. وذلك – على حد تعبير سامر الطويل – «لملء الفراغ» الحاصل في السياسة الاردنية بين «المقاطعة» .. و «الامركة»!
«2» الاصلاح السياسي يبدأ، حتماً، من الدستور. والنقطة الاولى في جدول اعمال هذا الاصلاح، هي – في غاية البساطة والثراء – وتكمن في الشعار «البليغ» الذي طرحه ليث شبيلات، وهو «العودة الى دستور 1952».
فهذه العودة التي لا تحتاج سوى حذف التعديلات التي طرأت على الدستور الاردني بعد ذلك التاريخ – فهي، اذن، عملية دستورية مئة بالمئة – يمكنها ان تشكل نقلة نوعية في الحياة السياسية الاردنية.
«3» ان حركة المجتمعات المتمثلة في صيغ سياسية جديدة – مثل المنتدى الاجتماعي الاردني وسواه – هي التي يمكنها ان تتولى، اليوم، اعادة احياء السياسة في بلدنا، وليس الصيغ الحزبية التي عفا عليها الزمن.
وهذا لا يعني اننا لا نحتاج الى احزاب.. ولكن الى احزاب جديدة مكونة من هيئات حية، ثقافية ونقابية واجتماعية وبيئية وبلدية، وشخصيات وشباب وطلاب، منظمين في اطر محلية موقعية. اعني ان ما نحتاجه، بالفعل، هو اكتشاف الوسيلة لربط الناس بالسياسة، واعادة السياسة الى الحياة. وهذا ما رأيته يتحقق – جزئياً ونسبياً وكخطوة اولى – في «المنتدى الاجتماعي الاردني».
«4» تبين، من خلال انعقاد هذا المنتدى، وبأعلى مستوى فني وبمشاركة ضيوف عرب، وبأ
وراق عمل ممتازة وعروض مميزة، انه يمكن تنظيم ندوات جادة وفعالة من دون الحاجة الى التمويل الاجنبي، بل من دون تمويل كبير، بل بالتمويل الذاتي المستند الى قوة الارادة.