افضل ما تفعله الاطراف – الاردنية والفلسطينية، بكل اتجاهاتها – هو طيّ صفحة قضية خلية حماس وتهريب الاسلحة، ووضعها في سياقها الامني والقضائي، خارج الاستخدام السياسي والحملات الاعلامية.
اذا كانت هناك مخاطر امنية فعلية ناجمة عن اختراق ايراني لتنظيمات حماس، فان لدى الاجهزة الامنية الاردنية، القدرة على متابعتها وضبطها، ومن واجبها ان ترفع درجة استعدادها وجاهزيتها المهنية، بما في ذلك فتح حوار امني حسب الاصول الامنية مع قيادات حماس.
«فالشفافية» في هذه الحالة، ضارة جداً بالفريقين معاً. أما من حيث صدقية الرواية الرسمية الاردنية – او قل مدى صدقيتها – فهو امر لا تحسمه السجالات الاعلامية، بل القضاء الاردني الذي يتمتع بقدر كاف من ثقة المواطنين.
على المستوى السياسي، هناك ضرورة ملحة للخروج من حالة العجز والفوضى الحالية، من خلال مبادرة استراتيجية، تمكن عمان من بناء خط ثالث، خارج الخطين المسيطرين في المنطقة، وهما الخط الامريكي – الاسرائيلي، والخط الايراني.
هناك من يرى انه لا مناص للاردن من الاندراج في الخط الاول، بالنظر الى مصالحه وارتباطاته وموازين القوى القائمة، غير ان مشكلة هذه الرؤية تكمن في ان ذلك الاندراج غير ممكن، بسبب بسيط هو انه لا يوجد للاردن مكان فيه. فخطة «الانفصال من طرف واحد» الاسرائىلية – المدعومة امريكياً، وربما دولياً – تقوم على نقل الازمة الفلسطينية الى الاردن.
فابتلاع اكثر من نصف الضفة الغربية وراء الجدار الاستيطاني، وتمزيق الباقي منها الى اشلاء، سوف يؤدي، واقعياً، الى هجرة ديمغرافية جديدة الى شرقيّ النهر، تتفاعل مع هجرة الصراعات السياسية الفلسطينية واستحقاقاتها وتبعاتها الامنية – الى الاردن.
وهي عملية بدأت بالفعل، من خلال التحالف الناشىء بين عمان والرئاسة الفلسطينية على حساب تصعيد الخلافات مع حماس وحكومتها. وعندما يصبح الاردن طرفا في الصراعات الفلسطينية، فانه يصغّر دوره الاقليمي في فلسطين، على مقاسات «فتح» و«حماس» وحساباتهما. وهو ما يقود الى نقل الصراع الفلسطيني – الفلسطيني الى الحياة السياسية الاردنية. وهي قضية خاسرة على كل صعيد، بما في ذلك الصعيد الشعبي. فمن الواضح ان اغلبية شعبية اردنية – نشأت بالفعل – لا تؤيد سياسة الحكومة الاردنية في المجال الفلسطيني. فبسبب عدم وجود صراعات وعداوات سابقة بين الشعب الاردني و «حماس» والحاح الاخيرة على حق العودة للاجئين، لا يمكن تسويق التحالف مع «فتح» داخلياً.
والمخرج من كل تلك المطبات هو مبادرة اردنية لتوحيد الصف الفلسطيني وراء المهمة الفعلية المطروحة الآن، وهي مقاومة الجدار الاستيطاني. وعلى عمان ان تقدم حلولاً توفيقية ومظلة سياسية للاجماع الفلسطيني، على تحرك اقليمي ودولي ضد الجدار، ينطلق من تنسيق ثنائي «اردني – فلسطيني» وهو ما سيؤدي الى فتح الابواب امام التفاهم مع «دمشق»، وايجاد مخرج ملائم للسياسة المصرية، وبناء تيار عربي وراء المبادرة الاردنية – الفلسطينية.
* * *
لا يمكننا، بالطبع، ان نندرج – بالمقابل – في الخط الايراني الذي يهدد هو الآخر، المصالح الاردنية، وينظر، بعداء، الى الكيان الاردني ودوره في العراق وفلسطين. فسياسة التقسيم الطائفي الايرانية في العراق، واستخدام البلد الجريح للتوسع الاقليمي، والضغط على الامريكيين لاقتسام الكعكة العراقية، تتضمن، موضوعياً، كسر العلاقة بين العراق والاردن، واضعاف القدرة الاردنية على التدخل الايجابي في المسألة العراقية، حتى في الحدود الدنيا للحفاظ على الامن الوطني الاردني.
وفي فلسطين، فان سياسة التصعيد الايرانية، تتلاقى، موضوعياً، مع السياسة الاسرائىلية للانفصال من طرف واحد، ومنع قيام الدولة الفلسطينية. فاذا ما نظرنا الى المشهد خارج الشعارات والتشنج العقائدي، سوف نلاحظ ان تيارات التشدد في «حماس» لا تتعارض، بل تنسجم موضوعياً، مع خطة الحكومة الاسرائىلية الحالية. فالتشدد الحماسي – وهو، في النهاية، تشدد لفظي لا يِؤثر فعلياً في تعديل موازين القوى – هو المظلة الملائمة لقيام اسرائيل باقتطاع معظم اراضي الضفة والتفاهم الضمني مع «حماس» لادارة المعازل الفلسطينية الباقية. وهنا لن تغير اسرائيل، مطالبة خالد مشعل بفلسطين «من البحر الى النهر»!
سوى انه من غير الممكن، درء اخطار المداخلة السياسية والامنية الايرانية، من دون المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وبناء مبادرة اردنية – فلسطينية ضد الجدار الاستيطاني، والتفاهم مع دمشق، وتوفير الدعم لها في مجابهة الضغط الامريكي، بحيث يكون عندها، البديل عن تسليم كل اوراقها الى ايران. وبطبيعة الحال، فان لسورية مصلحة في التفاهم، لأن اضطرارها الى الحماية الايرانية، يفقدها، في النهاية، وزنها الاقليمي..
والتفاهم مع سورية، ضروري ايضاً من اجل تعزيز خلفية مبادرة اردنية في العراق. وهذه المبادرة لها مظلة سياسية واحدة هي المطالبة بالجلاء «الامريكي» والمصالحة «العراقية» وتحت هذه المظلة، يستطيع الاردن التوصل الى حلفاء في كل انحاء العراق وليس، فقط، في المنطقة الغربية «السنية» فقد ثبت لنا ان المقاومة العراقية المنطلقة حديثاً في المناطق الجنوبية «الشيعية» لا علاقة لها، البتة، بطهران بل هي تنطلق من مواقع سياسية مضادة للاستراتيجية الايرانية.