في مؤتمره الصحافي الخاص بملف الفوسفات, برّأ الدكتور معروف البخيت نفسه. وفي الحقيقة, فإن القوى الوطنية والشعبية لم تتهم البخيت أصلا, ولم يرتبط إسمه بملف الفوسفات إلا في تقرير اللجنة النيابية.
صحيح ما قاله البخيت من أن ملف الفوسفات كان قد تم إنجازه قبل تولّي الرجل رئاسة حكومته الأولى التي وجدت الملف جاهزا. أكثر من ذلك يعرف الجميع أن هذا الملف لم يُنجَز في دواوين الحكومات, بل في كواليس الخلية النيوليبرالية المسيطرة, مذ ذاك وحتى الآن, على مفاصل القرار الإقتصادي.
وعلى كل حال, لا تكمن المشكلة الجوهرية في إجراءات خصخصة الفوسفات, ولكنها تكمن في الآتي:
أولا, في مبدأ خصخصة القطاعات الاستراتيجية, وخصوصا الثروات المعدنية. وهو ما لا يمكن لوطني, سواء كان اشتراكيا أم ليبراليا, الموافقة عليه. وفي حالة الفوسفات, فإن مجرد التفكير بخصخصة أهم ثروة معدنية في الأردن, تلك التي تقدّر احتياطياتها بالمليارات, هي جريمة وطنية, قبل أن تكون إقتصادية,
ثانيا, إن فشل الإدارة الوطنية للفوسفات, لا يعني أن نرمي الطفل مع ماء الإستحمام, بل يفرض تطوير الإدارة الوطنية تلك على أكثر من مستوى. ومن ذلك, إنشاء مجلس وطني للفوسفات يخطط لتطوير التنقيب والإنتاج والتصنيع والتسويق, ويفتح الباب أمام إستثمارات وطنية جديدة في هذه الحقول,
ثالثا, مشكلة شركة الفوسفات الأردنية, بالأساس, أنها مجرّد مظلة إدارية لعمليات الحفر والإنتاج والبيع. وهي العمليات الأكثر ربحية التي يقوم بها مقاولون. وقد كانت هذه العمليات, قبل الخصخصة وبعدها, المصدر الأساسي للربح القانوني وغير القانوني. وليس خافيا, بل من المعروف والمتداول أن إقتران سلطات الإدارة مع إمتلاك الشركات الناشطة في تلك العمليات هو اقتران فاسد, ويمنح الشريك الأجنبي, سواء كان سلطنة بروناي أم شركة وهمية, فرصة تحقيق الأرباح الرئيسية, قانونيا ولا قانونيا, على حساب الإقتصاد الوطني. وبدلا من خصخصة الشركة, كان المفروض تعميق استثماراتها في مجالات التنقيب والحفر والإنتاج والبيع والتصنيع, وتضخيم أرباحها لمصلحة الخزينة لا لمصلحة فلان, سواء كان بروناويا أم أردنيا,
رابعا, إن منح حق الإدارة للشريك الأجنبي ( او المحلي .. لا فرق) مقابل 37 بالمئة من الأسهم هو إذعان وانتهاك لقانون الشركات الأردني الساري المفعول. وكما بينتُ في البند أعلاه, فإن حق الإدارة ينتج عنه التحكم بالعمليات الأساسية الرابحة في الفوسفات, وقصد الشريك من السيطرة على الادارة هو تمكينه من حصد الأرباح, بصورة قانونية أو غير قانونية,
خامسا, إنه, وبغض النظر عن تقرير اللجنة النيابية المعني, فإن فتوى ديوان التشريع صريحة في إعتبار العقد الممنوح للشريك الأجنبي ( أو المحلي ..لا فرق) في الفوسفات, هو بمثابة امتياز لم يصدر به قانون من قبل مجلس النواب, مما يخالف المادة 117 من الدستور, ومما ينتهك المصالح الوطنية,
سادسا, ولو ضربنا صفحا عن كل ما مرّ ذكره, فإن الإذعان المتضمن في اتفاقية الخصخصة فيما يتصل برسم التعدين ( حوالي دولارين للطن) هو إفتئات واضح على الخزينة, علما بأن أدنى رسم تعديني عادل لا يقل عن 20 دولارا للطن.
لكلّ ذلك, فإن قضية الفوسفات ليست قضية تبرئة هذه الحكومة أو تلك, أو قضية سلامة الإجراءات الإدارية من عدمها, بل هي قضية فساد شامل متعدد المستويات والأشكال, آن الأوان لاتخاذ قرار سياسي بإنهائها بما يضمن استرداد ملكية الشركة واسترداد المنهوبات منها. وهي, قبل ذلك وبعده, قضية تطوير إنتاج وتصنيع الفوسفات وطنيا, بما يساهم في بناء أحد أعمدة التنمية الوطنية المستقلة. أعني إنها قضية وطنية بامتياز.
وكنّا نأمل ألا يكتفي البخيت بتبرئة نفسه – فهو جهد غير ضروري أصلا – بل ينتقل إلى إعلان موقف من الخصخصة بعامة , ومن خصخصة الفوسفات بخاصة, بما ينسجم مع قناعاته الوطنية. متى يفعل ذلك?
العرب اليوم