ناهض حتّر
يرى 91 بالمئة من طلبة الجامعات الاردنية ان للرجال الحق في ضرب زوجاتهم. ويظهر الاستطلاع الذي أجراه «المركز الوطني لحقوق الانسان» ان 93 بالمئة من المستطلعين يرون بأنه «ليس للمرأة أي دور غير رعاية البيت والأولاد» بينما اكد 89 بالمئة منهم «ان التعليم اكثر اهمية للذكور من الاناث».
الارقام – اعلاه – تحتاج بطبيعة الحال، الى تدقيق من حيث احتساب نسبة للخطأ، ونسبة – اكثر اهمية – بالنسبة الى أولئك اللامبالين الذين اعطوا اجابات تهكمية، ولم يكونوا جادين، ويشكل هؤلاء – بحد ذاتهم – مصيبة.
بعد كل ذلك ، فان الارقام تصيب المراقب بالصدمة والذهول. افبعد هذا الانتشار غير المسبوق للتعليم الجامعي، وشيوع الاختلاط بين عشرات الالاف من الذكور والاناث في رحاب التعليم الجامعي، وبعد انتشار الفضائيات ووسائل الاعلام على نطاق واسع جداً، والنشاط الكثيف للحركات النسائية، والندوات، واللقاءات الخ ،أبعد كل ذلك، يتأخر المجتمع الذكوري الاردني الى هذه الدرجة السوداء من الاجماع على دونية المرأة.
لو حدث استطلاع كهذا بين الجامعيين الاردنيين في الخمسينات والستينات، ربما كانت النتيجة ان مالا يزيد عن 5 بالمئة فقط يتخذون مواقف ذكورية رجعية. وسوف يشكل وجود هؤلاء صدمة للرأي العام، وسوف يتم اعتبارهم، على الارجح، مرضى نفسيين.
الايديولوجية الذكورية تنتشر وتسيطر في الاردن، اذن، بلا رادع. وربما يكون ذلك راجعا، بالدرجة الاولى، الى انتشار وسيطرة الايديولوجيات الدينية، وربما الى تحول رجعي في الوعي العشائري . فالثقافة العشائرية الاردنية التقليدية تقوم على المساواة بين الرجال والنساء في العديد من الشؤون الحياتية العامة، ولا سيما دعم مشاركة المرأة في التعليم والنشاط الاجتماعي والسياسي ، او اقل النظم الى هكذا مشاركة باحترام. بل ان الثقافة العشائرية الاردنية التقليدية، كانت متسامحة جديا- وبأكثر مما يتخيل المثقفون المعاصرون – ازاء احترام مناطق حساسة في العلاقة بين المرأة والرجل، ومنها العلاقة العاطفية. وقد اشتهر شيوخ كبار – وشيخات – بقصص حب تناقلتها الاجيال، حكايات واشعارا، ربما كان ابرزها قصة حب نمر العدوان وزوجته وضحا.
الاردني التقليدي – العشائري – له منظورات محافظة بالطبع ازاء المرأة وصيانة شرفها الخ، لكن المرأة الاردنية التقليدية، كانت مدللة، ولا يمكن لرجل شهم – ابدا – ان يضرب زوجته.. ولو بوردة!.
فماذا حصل من اجل ان يعتبر 89 بالمئة من الطلاب الجامعيين ان «العنف داخل الاسرة امر خاص، ولا يحق لأية جهة التدخل فيه»؟! هنا نلاحظ امتزاج فكرة ليبرالية (حرية الاسرة) مع فكرة رجعية ذكورية فاشية (الحق فيه العنف داخل الاسرة) وهذا تطور مؤسف، يكشف التأثير الليبرالي الضار على الثقافة الاردنية، اذ انه يحصنها ازاء تدخل الدولة والمجتمع، بينما تغير الرجعية افضل ما في تلك الثقافة (المساواتية والقيم ا لفروسية) وتصور هذا التغيير وكأنه حق ليبرالي للأسرة محصن ضد تدخل اية جهة!.
هذا المزيج غير المقدس بين الايديولوجية الدينية والايديولوجية الليبرالية، هو المسؤول، اذن، عن تخلف الوعي الاجتماعي الاردني الى مواقع ترسيخ الرجعية والذكورية الفظة الفظيعة.
هذا على المستوى الفكري العام، لكن هناك، ايضا ، انحطاط التعليم الجامعي الذي لم يعد سياقا لتطور الشخصية الطلابية، وانفتاحها، وصقلها، وتدريبها على القراءة والاطلاع و التنور، بل، على العكس، اصبحت الجامعات، مصانع لانتاج وتدامج النظرات الرجعية الظلامية مع النظرات الليبرالية واللامبالاة واعادة انتاج العشائرية بصورة منبتة الصلة عن قيم الفروسية الاردنية،
التعليم الجامعي المخصخص – وشبه المخصخص في الجامعات الحكومية – تمركز حول النجاح التلقائي، و«المذاكرة»، ونبذ التفكير، واستبعاد عادات القراءة والحوار، وتحريم السياسة، وفي الوقت نفسه الخضوع لتأثير عولمي ليبرالي وايديولوجي ديني، ولسوف تجد ذلك مجسدا – مثلا – في صبية ترتدي جينزا ساخنا يكشف صرتها، حجابا على الرأس يغطي وجهها مشغولا بالزينة، يدور في عقلها خليط من الافكار الدينية والليبرالية والانماط الانثوية الخليجية والتفاهة والمكر الانثوي الخ معا.
اخيرا – وليس آخرا – يمكن تفسير شيوع الايديولوجية الذكورية في صفوف الطلبة الجامعيين، بالاختلاط المنزوع من سياقه الاكاديمي – الثقافي – السياسي، وظهور قوة النساء في التعامل اليومي في ساحات المكائد الغرامية، مقابل شعور الشباب بالعجز والكبت والحرمان، وهو ما يحولهم فعلا الى مرضى نفسيين يتبنون على سبيل التعويض، فكرة الحق في ضرب النساء واستبعادهن من الحياة العامة، انتقاما من الفشل المتكرر في الحصول على علاقات حب انسانية.
انني – باختصار – مفجوع بنتائج الاستطلاع المشينة . وهي نتائج تحتاج الى وقفة عميقة وشاملة، لمراجعة المسارات الخفية ل¯ «تطور» المجتمع الاردني.