الاشتراكية في صيغ جديدة

ناهض حتّر
تكرار القول بان الاشتراكية اصبحت من الماضي ادعاء لا يصمد امام التطورات العالمية، الانموذج السوفييتي الستاليني لم يعد، بالطبع، ذا صدقية او ممكنا، في حين ان صيغا اجتماعية عديدة مشتقة من الاشتراكية ترى الان النور، وتهيمن على الفكر السياسي، خصوصا في امريكا اللاتينية. الفكرة الاساسية هي نبذ الشمولية والحزب القائد…. الخ، وبالمقابل استخدام الوسائل الديمقراطية للقيام بتغييرات جذرية على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي وتأميم الثروات الوطنية وتعزيز القطاع العام، ودعم ونشر الخدمات العامة المجانية في حقول الطباية والتعليم والثقافة والسكن، وتأمين فرص العمل والمشاركة الشعبية في الاستثمارات، واعتماد انظمة ضريبية تصاعدية تعيد توزيع الثروة بين الفئات الاجتماعية.

الحركات الاجتماعية الجديدة لا تطرح على جدول الاعمال، الانقلاب على الرأسمالية، ولكن ارساء اسس السوق الاجتماعي، والحد من الحرية المتوحشة للرأسماليين، وبصورة خاصة محاصرة وتصفية الكمبرادور، اي الوكلاء المحليين للرأسمالية الاجنبية، وكل ذلك يتم في اطار صراع سياسي مفتوح وفي اطار السجال مع معارضة قوية مشروعة، مثلما يحدث في التجربة الانموذجية في فنزويلا.

الاستراتيجية اليسارية الجديدة تقوم، اذا على تكوين جبهات ديمقراطية للفئات الاجتماعية المتضررة من هجمة السوق الرأسمالية المعولمة، وهذه الفئات التي تشتمل على كل العاملين باجر، والبورجوازية الصغيرة من المهنيين واصحاب المشاريع الصغيرة واقسام من الرأسمالية الوطنية تشكل الاغلبية، – ويمكنها تحقيق الهيمنة السياسية والفوز بالاغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومات الديمقراطية – الاجتماعية.

كل هذه الاتجاهات – المتنوعة من حيث التفاصيل ومدى الجذرية – محفوزة بايديولوجية موحدة صاعدة – هي ايديولوجية العداء للامبريالية الامريكية، وقد استفادت الشعوب اللاتينية من تورط الامبرياليين الامريكيين في العراق والشرق الاوسط، لتعديل موازين القوى داخل القارة التي طالما خضعت لسيطرة ونهب الجار الشمالي الامبريالي «الولايات المتحدة».

لكنني احسب ان السر في نجاح اليسار الجديد في امريكا اللاتينية، يعود في بعد رئيسي الى ما عرفته هذه القارة، تقليديا، من مصالحة عميقة بين الكنيسة الكاثوليكية المحلية وبين اليسار، بحيث ان الجماهير الامريكية اللاتينية لم تعرف ذلك الشقاق البائس – كما في العالم العربي – بين الوجدان الديني وبين القيم الاشتراكية، بالعكس الكاثوليكية الامريكية اللاتينية موحدة مع الحركات الاشتراكية ضد الرأسمالية والبلانكي.

النقطة الثانية في نجاح اليسار الاجتماعي في القارة الناهضة، تكن في انعدام التناقض بين المشترك القومي الثقافي بين بلدان القارة او ما يمكن تسميته بالنزعة الامريكية اللاتينية – وبين الخصوصية الاجتماعية السياسية لكل بلد على حدة – على العكس هناك تناغم بين النزعة الوحدوية والخصوصية القومية، تسمح بتعزيز اصالة الاستراتيجيات المحلية لليسار، ففي بوليفيا، حقق اليساريون انتصارهم من خلال التحالف مع القبائل، وهو انموذج لطالما دعوت الى بنائه في الاردن.

النماذج اليسارية في امريكا اللاتينية، متنوعة للغاية، فمن كوبا الشيوعية: ل¯ اليسار الاجتماعي الجذري في فنزويلا وبوليفيا، الى الديمقراطية – الاجتماعية المعتدلة في البرازيل والديمقراطية – الاجتماعية النسوية في التشيلي.. الخ.

وبما ان اليسار الامريكي اللاتيني يعمل في اطار ديمقراطيات، فمن المتوقع اذا ان يفوز هنا ويفشل انتخابيا، في مكان آخر.. لكن الحركة اليسارية تظل متجذرة في كل انحاء القارة وهي حركة جبارة زاحفة ذات افق مفتوح.

Posted in Uncategorized.