ناهض حتّر
اعتبرت الحكومة الاردنية، أمس، إقرار صيغة الدستور الجديد، شأناً عراقياً داخلياً.
كلا! ثم كلا! فمعادلة القوى التي اطلقت هذه «الصيغة»، ليست، بالأساس، داخلية. فأولاً هي محصلة وجود الاحتلال الاجنبي، وثانياً، هي نتاج مداخلات اقليمية، ايرانية واسرائيلية؛ وثالثاً هي خلاصة إتفاق بين قيادات اثنية وطائفية، وفدت الى العراق على ظهور الدبابات الامريكية.
القسم الأساسي من قوى الداخل العراقي هم سنة وشيعة ومسيحيون وتركمان – ما عدا الاكراد – رفضت وترفض دَسْتَرَة وتأييد الاحتلال الاجنبي والانقسام الطائفي والتقسيم والعداء للعروبة، بل انه لا توجد قوة واحدة كانت موجودة، داخل العراق، قبل الغزو الامريكي – البريطاني، توافق على الدستور الجديد المفروض على العراق من الخارج. ومعركة افشال هذا الدستور/ المؤامرة، ليست، فقط، معركة العراقيين، بل هي معركة الأمة العربية وأداء العالم وعلى هؤلاء ان يقفوا، اليوم، مع الداخل العراقي ضد دكتاتورية الخارج.
الاردن، تحديداً، لا يمكنه ان يقبل بسلخ العراق عن عروبته، وتقسيمه طائفياً واثنيا؛ ليس، فقط، لأسباب مبدأية، وانما، ايضاً، لان ذلك يمس مباشرة بالأمن الوطني الاردني، وعند هذا الحد، تصبح مجاملة الامريكيين والسكوت على سياساتهم المدمرة في العراق، اعتداء على الاردن ومستقبله.
لا نستطيع ان نقبل بانفراط العراق الى دويلة كردية تستأثر بنفط الشمال تحت رعاية اسرائيل، ودويلة صفوية تستأثر بنفط الجنوب تحت حماية ايران، وبينهما دويلة جهادية فقيرة تحاذي الاردن، وتصدر اليه اللاجئين والجهاديين. بذلك يتحول العراق من كونه عمقنا الاستراتيجي، الى كونه خاصرتنا الضعيفة.
ليس المطلوب من الاردن ان يخوض معركة تحرير العراق، ولكن المطلوب منه ان يدافع عن نفسه ومصالحه وأمنه وعلى الحكومة الاردنية ان تأخذ التهديد الاستراتيجي الآتي من العراق، على محمل الجد، وتجاهر برفضها إعادة هيكلة العراق بما يتعارض مع مصالح العراقيين والاردنيين والعرب. أفلم يكن التأكيد على «وحدة العراق»، هو الشعار الدائم للسياسة الخارجية الاردنية؟!
* * *
هل تعتبرون الاحتلال والنفوذ الاجنبي والاقليمي والتقسيم الاثني والطائفي «شأناً عراقياً داخلياً» حسناً! المقاومة والرفض هما، ايضا، شأن داخلي عراقي. لماذا نسميهما «ارهاباً»؟ ولماذا لا نتعامل معهما بالحيدة والايجابية نفسيهما؟! وهو اضعف الايمان!
* * *
لقد وصلنا الى لحظة الحقيقة، فلم يعد ممكنا، بعد، تحاشي الصراع حول العراق.