العرب اليوم
ناهض حتّر
تبحث الادارة الاميركية عن مخارج من المأزق العراقي. وأحد هذه المخارج وليس الوحيد هو العودة الى الاتحاد الهاشمي بين الاردن والعراق، والذي انهته ثورة 14 تموز 1958 العراقية وهناك معلومات متداولة في الاوساط العراقية والاردنية عن الشروع بنشاطات سياسية في هذا الاتجاه. وكانت انباء صحافية قد ذكرت، الاسبوع الماضي ان وفداً عراقياً مؤلفاً من 400 شخصية يستعد للتوجه الى عمان، للطلب من الملك الاردني، تسمية ملك هاشمي للعراق.
واذا ما وضعنا هذه المعلومات في سياقها التحليلي فلسوف نجد ان لها ما يدعمها فالمحتلون الاميركيون، الذين يتخبطون في الفشل الامني والاداري والسياسي في العراق، مستعدون للبحث وتجريب كل مشروع. لقد جربوا اولاً احزاب المعارضة السابقة، فوجدوا انها عاجزة وحدها عن اعادة بناء الدولة العراقية. ثم ضموا هذه الاحزاب الى اخرين في صيغة «مجلس الحكم». وقد احترقت هذه الورقة بسرعة مذهلة، جراء تطور نشاطات المقاومة العراقية، المسلحة والسياسية من جهة، وعجز هذا «المجلس» عن التحول الى قوة سياسية حاسمة في مجرى الاحداث، من جهة اخرى. وبينما تبدو مبادرة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وكأنها تأتي في سياق مفاوضات قائمة مع الجانب الاميركي، سارع الاميركيون الى اكتشاف ورقة وزير الدفاع العراقي السابق، سلطان هاشم وهم يفكرون الآن جديا باستخدامها.
غير ان الخيار الهاشمي هو الاكثر اغراء لانه الاكثر جدية ولانه يستطيع ان يستوعب الخيارات الاخرى المحروقة والمطروحة والممكنة معا. فالملكية، على كل حال اطار محايد. ولكن مشروعاً ملكياً في العراق لا يدعمه الاردن ليس له مقومات. وهكذا تظهر صيغة العودة الى الاتحاد الهاشمي، وكأنها الحل الملائم. وخصوصا اذا اخذنا بالاعتبار ان الدولة الاردنية تملك قدرات عسكرية وامنية وادارية قادرة على تحمل اعباء اعادة تأهيل الدولة العراقية، اذا ما اتيحت مصادر مالية معقولة. وهي في كل الاحوال، ممكنة بتكاليف اقل بكثير من تلك التي يحتاجها الاميركيون لكي ينجزوا الامر بانفسهم.
الا ان المسألة الرئيسية ليست هنا بالطبع فلدى الهاشميين الاردنيين ما يفتقر اليه الاميركيون كلياً. وهو القدرة المحتملة على انشاء صيغة سياسية تؤلف بين النقائض العراقية -بما فيها النقيض الصدامي البعثي-وبينها وبين المطالب الاميركية، اذا كانت «واقعية» و«معقولة» حسب التعبير السوري.
والاتحاد الهاشمي سيحظى بالشعبية والدعم في الاردن وربما كانت الاطراف العراقية الآن اقرب اليه من اي وقت مضي. واذا ما استجاب فعلا، لمتطلبات الواقع الاجتماعي-السياسي في العراق فربما ينجح في استقطاب اغلبية العراقيين المتلهفين على الخروج من ازمتهم المزمنة.
ولن نعود الى الحديث المكرور عن المحاور السياسية في الاقليم ولكننا نتوقع ببساطة ان «الاتحاد الهاشمي» مشروع سيلقى الكثير من الاعتراضات الاقليمية.
«الاتحاد الهاشمي» مشروع يمتلك العديد من عناصر النجاح، ولكن بشرط ان يكون مشروعاً محلياً مستقلاً عن مشروع تربيع الدائرة الاميركي في العراق. فالاميركيون يريدون صيغة سياسية مستقرة وذات اصالة، تمكنهم في الوقت نفسه، من حكم العراق. وهذه محرقة لافضل الصيغ السياسية.
وفي حوارات مع شخصيات وطنية عراقية اجريتها امس اتفقنا على الآتي:
– ليس لدى الاردنيين والعراقيين اعتراض مبدئي على صيغة الاتحاد الهاشمي.
– على ان يبدأ هذا المشروع من الانسحاب الفوري وغير المشروط للاحتلال الاميركي -البريطاني «والاجنبي» من العراق.
– وكذلك حل الهيئات التي انشأها الاحتلال مثل مجلس الحكم… ومجلس الوزراء.
– الغاء قرار الاحتلال القاضي بحل الجيش العراقي، واعادة بناء هذا الجيش فوراً.
– الاعتراف بالاحزاب العراقية من دون استثناء بما في ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي، واجراء انتخابات حرة لمجلس نيابي لا يستثني اياً من العراقيين.
– النظام الملكي في الاتحاد الهاشمي يجب ان يكون ملكياً دستورياً على النمط الغربي.
فاذا لم تتحقق هذه الشروط، فان مشروع الاتحاد الهاشمي، سينتهي مثل المشاريع الاخرى، الى الفشل السياسي والامني، ذلك ان الصيغة التي تؤمن انهاء الازمة العراقية:
– هي التي تكفل الامن وهو غير ممكن من دون زوال الاحتلال واستعادة الجيش العراقي.
– هي التي تكفل لجميع القوى الاجتماعية السياسية، مكانتها ودورها. وهذا غير ممكن مع وجود برنامج لاستئصال البعثيين واضعاف وتهميش القوى الوطنية الاخرى، لحساب احزاب البنتاغون واحزاب طهران!
– وهي التي تكفل ايجاد اطار دستوري ديمقراطي للصراع السياسي، وهو غير ممكن في ظل اي صيغة ديمقراطية منقوصة او مقيدة.
ويمكن للمراقب ان يتوقف، هنا، عند التصريحات التصعيدية التي ادلى بها وزير الخارجية الاردني مروان المعشر الى قناة «العربية» وهدد فيها صراحة باعتقال رئيس مجلس الحكم العراقي الحالي احمد جلبي اذا وطأت قدماه الاراضي الاردنية.
ويشير المعشر، كما هو معروف، الى الحكم القضائي الاردني الصادر بحق جلبي المدان باختلاس اموال بنك البتراء في عمان، نهاية الثمانينات. غير ان تصريحات المعشر، المفتقرة الى «الدبلوماسية»، تشير الى ان الحكومة الاردنية بعد لقاءات واشنطن لم تعد تقبض مجلس الحكم العراقي، فهل كان المعشر يهدد باعتقال جلبي صراحة، لو كان سمع من الاميركيين ما يفيد بتعلقهم بالرجل… او بالمجلس؟! 0