الإطار والمضمون

لا يحظى النظام الانتخابي الذي أقرته اللجنة القانونية في مجلس النواب بإعجاب معظم القوى السياسية والشعبية، ولكن الإطار العام الذي توصلت إليه اللجنة من حيث الاعتراف بالدوائر القائمة ومقاعدها من جهة، وإقرار دائرة وطنية من جهة أخرى، هو الإطار المطابق للاحتياجات الوطنية والديموقراطية في بلدنا.لكن الإطار المناسب لا يعوّض عن مضمونه. ولذلك، ينبغي على القوى الديموقراطية، الضغط من أجل تطوير المشروع النيابي باتجاهين: (1) إقرار صوتين للناخب في الدوائر المحلية ( ما يتطلب دمج بعضها الفردي) و(2) زيادة مقاعد الدائرة الوطنية من 17 إلى 30 مقعدا. وتسمح هذه الصيغة بتغيير البيئة السياسية في المحافظات ، وتحسين المستوى السياسي لمخرجاتها النيابية من جهة، وإتاحة الفرصة لتمثيل القوى السياسية، التقليدية والجديدة، في البرلمان، من جهة أخرى.
آمل، هنا، ألا يقع الوطنيون الديموقراطيون في فخّ التماهي مع الاعتراض الذي يتبناه الإخوان المسلمون على النظام الانتخابي المقترح. أولا، لأن ‘الإخوان’ مستعدون دائما لعقد صفقات تخلّف حلفاءهم على الرصيف، وثانيا، لأنهم يقترحون، في الحقيقة، نظاما انتخابيا انقلابيا سيؤدي، حال قبوله، إلى ردود فعل عنيفة لا أحد يعرف خواتيمها.
مآل المقترح الإخواني هو إحداث تغيير شامل في التركيبة الديموغرافية السياسية للمجلس النيابي يتصدّره ‘الإخوان’ بوصفهم المعبّرين عن الأردنيين من أصل فلسطيني. ولا يظننّ مواطنونا الكرام هؤلاء بأن ‘الإخوان’ يعملون على إنصافهم، بل على استخدامهم في التحشيد وراء حماس ضد السلطة الفلسطينية. وهو صراع لا يعني المواطنين الأردنيين بغض النظر عن أصولهم.
لقد ذهب ‘ الإخوان’ بالفعل نحو التصعيد لشق صفوف المجتمع من خلال تحريض المخيمات على التصدي لما سموه ‘ تهميشها’ سياسيا. وفي اربد، عمدوا إلى القيام بتصرف له دلالات خطيرة، حين أعلنوا عن تغيير اسم ‘دوّار وصفي التل’،مطلقين عليه اسما جديدا:’ دوّار الوحدة الوطنية’!
ارتكب ‘ الإخوان’، في ذلك، ثلاثة ارتكابات معا،هي (1) انتحال صفة بلدية اربد والتعدي على صلاحياتها، معربين عن نزوع دكتاتوري معاد للقانون، (2) إهانة مشاعر و كرامة ملايين الأردنيين الذين يعتبرون التل أيقونتهم الوطنية، (3) الإساءة البالغة للقائد الشهيد؛ ففي دلالة إعادة التسمية ادعاء بأن الشهيد هو رمز معاد للوحدة الوطنية.
وهذه الارتكابات، وحدها، تُعرب عما يدور في دوائر’ الإخوان’ وما تصبو إليه مخططاتهم. إنهم قوة .. ولكنها قوة مستعدة لإحراق البلد من أجل تحقيق أجندتها المرتبطة بقوى خارجية.
أستطيع القول – بكثير من الثقة – إن المحافظات – وهي تشكل اليوم مركز الثقل السياسي الرئيسي في البلاد – ليست مهتمة بالنظام الانتخابي طالما أن دوائرها ومقاعدها مضمونة، ثم إن الشأن الانتخابي كله لا يُشغل بالها المنشد إلى مهمات استئصال الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترداد موجودات الدولة المنهوبة والمخصخصة، وإنجاز تغيير في العلاقات الاقتصادية الاجتماعية يكفل مصالح الفئات الشعبية والتنمية في الأطراف وتوفير فرص العمل والخدمات الحيوية.
النظام الانتخابي هو هاجس القوى والحركات السياسية. وهو هاجس مشروع تماما من حيث إنه يعبّر عن الضرورة الوطنية لتصعيد نخبة سياسية جديدة أكثر استقلالية وتسيسا، وأمتن ارتباطا بقضايا المجتمع والبلد. والاستجابة لهذه الضرورة تتطلب زيادة مقاعد الدائرة الوطنية وضمان نزاهة العملية الانتخابية.
المهمة المطروحة اليوم على التيارات والشخصيات الوطنية والتقدمية والقومية، هي المبادرة إلى عقد ملتقى يعزل المطالبات الانقلابية والاقتراحات المتطرفة، ويبلور صيغة وطنية وديموقراطية، في آن معا، للنظام الانتخابي، تأخذ بالاعتبار ما يلي:
(1)عدم المساس بالدوائر الحالية ومقاعدها.
(2)تطوير المحتوى الديموقراطي للعملية الانتخابية في هذه الدوائر.
(3)التركيز على الدائرة الوطنية باعتبارها تمثل نواة النظام الانتخابي في المستقبل، لا باعتبارها مجرد ملحق للنظام الانتخابي الحالي. وذلك من حيث زيادة عدد مقاعدها وتركيبة القوائم المتنافسة داخلها وطبيعتها التمثيلية وطرائق احتساب الفوز فيها الخ
(4)التركيز على ضمانات النزاهة ومكافحة الجرائم الانتخابية الخ.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.