ناهض حتّر
يقرأ وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، الازمة السياسية في المملكة والعالم العربي، من منظور سيسيوثقافي-تاريخي. فالتكوين السياسي العربي، عنده، يعاني من «الضعف الشديد» و«التخلف» معاً، واللذين يرجعان الى الآتي:
(١) التقاليد غير السياسية للبادية المتصارعة، تاريخياً، مع حواضر هشة متناثرة في قلب الصحراء. والتجربة السياسية العربية، متقطعة لم تراكم تراثاً مستقراً. وهنا، يسترجع الامير، المعالجة الخلدونية للعمران العربي، ويستخدم ابن خلدون لنقد القبائلية والنفور العربي من سلطة الدولة.
(2) التناقض الحاصل بين الانتماء النظري «للأمة» وبين الانتماء الفعلي للعائلة او القبيلة او الطائفة، يغيّب شرعية الدولة الوطنية، وهي «الاطار السياسي الفعلي» للتحديث السياسي.
(3) استيراد المؤسسات السياسية من الخارج، وتوطينها بقوة الاستعمار او «بالقابلية للاستعمار» (مالك بن نبي).
(4) جمود الفكر الاسلامي عن صياغة خيارات وطنية ذاتية للحداثة السياسية، واهم عواملها ومظاهرها: «المشاركة السياسية الشعبية» والتي يراها الأمير، ضرورة ملحة، حيوية لتحقيق النهضة.
انه، بذلك، يركز نقده نحو كل اطراف المعادلة السياسية في المملكة اولاً والعالم العربي ثانياً. وهو يرفض جميع «الحجج الواهية» لتأجيل استحقاق «المشاركة السياسية الشعبية»، وخصوصاً حجة مواجهة العدوان الخارجي وحجة الخوف من ضياع الهوية الاسلامية تحت تأثير الحداثة السياسية. ويرى الامير ان «المشاركة الشعبية هي التي تعزز القدرة على مواجهة التحديات الخارجية والمطامع الاجنبية، خاصة عندما تكون المعارك مصيرية وموازين القوى مختلفة»، كذلك، فإن تأمين «مشاركة شعوبنا المؤمنة خير ضمان لترسيخ الهوية الاسلامية في مواجهة تحديات الغزو الفكري والعولمة الثقافية».
ويحذر الامير، الانظمة العربية من انه لم يعد ممكناً الاتكاء على «العائلة او القبيلة او الطائفة». وهو يربط الاصلاح الداخلي بمبادرة ولي العهد السعودي، الامير عبد الله، لإصلاح النظام العربي، وخصوصاً لجهة الالتزام بالمقررات الجماعية والتكامل الاقتصادي والتضامن السياسي والدفاعي.
***
هذه هي الخطوط العريضة في محاضرة الامير سعود الفيصل، في مؤتمر «الجنادرية» الاخير وقد تناقلت وسائل الاعلام، في حينه، مقتطفات من نص المحاضرة، الذي لم ينشر حتى حصلت عليه يومية «النهار» اللبنانية، ونشرته الخميس الماضي (04/03/2004). ولا نعرف ما إذا كان نشر هذا النص كاملاً، الآن، وفي منبر عربي، هو مجرد سبق صحافي للنهار… ام انه مقصود سياسياً في إطار النقاش الداخلي و/أو العربي، عشية انعقاد القمة العربية في تونس (اواخر الشهر الحالي) وهي التي ستناقش مبادرات اصلاحية ذاتية، رداً على، واستجابة لـ «المبادرة» الاميركية حول «الشرق الاوسط الكبير».
***
وتحفزنا محاضرة الامير سعود الى السؤال عما إذا كان هذا التصور «الجذري» بالنسبة للخطاب السياسي في المملكة العربية السعودية -حصيلة نقاش… ام وجهة نظر في النقاش الدائر في اوساط الحلقات العليا من العائلة المالكة؟!
وفي كل الاحوال، فإننا نلاحظ ما يلي:
(1) ان جذرية «التصور» المطروح، هنا، هي أكثر من استجابة للضغوط الدبلوماسية… انها -في رأينا-نتاج معالجة ومعاناة فكرية للضغوط الداخلية، الجدية جداً، واقتراح لاحتوائها، لئلا تتقاطع مع الضغوط الخارجية، في لحظة دولية صعبة.
(2) ان الالحاح على الربط بين الاصلاح الداخلي والاصلاح العربي، يشير الى فهم يؤكد مركزية الدور الاقليمي للمملكة في الحفاظ على تماسكها الداخلي. وبناء عليه، فإن التوقعات بانكفاء الدور السعودي الى الداخل، ليست في محلها.
(3) ان الامير سعود لا يفهم العراق كدرس فقط، ولكن كمقدمة لعدوان اشمل. ان المخاطر التي تواجهها السعودية، ماثلة وحقيقية ومتبلورة في رؤية وزير خارجية المملكة، وهي ليست مجرد تقديرات إعلامية. ومن يقرأ نص المحاضرة، يلاحظ، بين السطور، اشارات ولهجة ومشاعر… تشير كلها الى جذرية التهديدات الخارجية والداخلية.
(4) لا تتضمن المحاضرة مشروعاً سياسياً محدد الملامح للإصلاح الديمقراطي الداخلي، ولكنها تشير، ضمناً، الى معالجة جذرية تطاول دور العائلة، والقبائل، والمؤسسة الدينية معاً.