الأزمة العالمية والاقتصاد الأردني : ناقوس الخطر

ما زالت الحكومة الأردنية تراقب الأزمة المالية العالمية من دون اتخاذ اجراءات تحوّط لازمة. ولا يتعلق الأمر بسلامة الجهاز المصرفي الأردني.
فهو يتبع ، على العموم، أساليب تقليدية تنأى به عن الانهيار المالي الذي أطلقته الديون المتعثرة المباعة في السوق من قبل البنوك الأميركية . لكن، من المرجح أن قسما من القروض البنكية الأردنية ، وفي الحقل العقاري خصوصا، سوف تتعثر بسبب الكساد الداخلي والتضخم وتباطوء رؤوس الأموال الأجنبية. وعلينا أن نشدد هنا على الخسائر الضخمة التي لحقت بالأسر الأردنية جراء ‘ الاستثمار’ في البورصات العالمية ، سواء اكان ذلك الاستثمار فعليا أم وهميا لتغطية عمليات احتيال.

لقد استنزفت آلاف الأسر مدخراتها وممتلكاتها واقترضت بضمان عقاراتها للمشاركة في ما حسبته ‘ استثمارا’ ذا عوائد خيالية . وسيؤثر افتقار هذه الأسر المأساوي على الطلب المحلي، وستواجه أزمة سداد قروض تبخرت مضمونة بعقارات تتراجع قيمتها.

لا يوجد مَن يستطيع أن يضمن ، منذ الان ، ثبات الاستثمارات الأجنبية المتركزة في السوق المالي. وقد يضطر المستثمرون الأجانب للإنسحاب المفاجيء في اية لحظة لمعالجة خسائر استثمارات أو إفلاسات في اماكن أخرى. عندها سوف يهوي السوق المالي إلى معدلات كارثية بالنسبة للمستثمرين المحليين ، وبخاصة لاستثمارات الضمان. لكن من المؤكد أن الاستثمارات العقارية التي تعاني من الركود أصلا، سوف تتجمد أو تنسحب كليا.

وعلينا أن نتوقع التباطوء أو حتى التوقف في سلسلة من المشاريع الكبرى التي جرى التحشيد لها في السنوات الخمس الماضية. المالكون الأجانب للشركات الكبرى من البنوك إلى المناجم إلى الاتصالات إلى الكهرباء، لن يستثمروا مبالغ تذكر من أرباحهم التي سيجري تحويلها ، للضرورة العاجلة ،إلى المراكز. المدخرون المحليون لن يجازفوا باستثمارات جديدة ، وسيتجهون إلى خفض الإنفاق أيضا. ومن سوء الحظ اننا قمنا، قبيل انفجار الأزمة المالية العالمية بالضبط، بعمليات بيع كبرى لتسديد جزء من المديونية العامة، بما يزيد عن مليار دولار تعد تحويلا ماليا صافيا للخارج. إن تسديد تلك الأموال بشروط ما قبل الأزمة الراسمالية ، بل تسديدها عشية الزمة كان خسارة. الاحتياطيات الأردنية ستواجه ضغوطا متصاعدة سواء لتمويل الاستيراد أم لتمويل طاريء لبنوك غير أساسية من المتوقع تعثرها.

وإذا كان من غير المشكوك فيه أن الصادرات الأردنية سوف تتراجع بشدة في المرحلة المقبلة جراء الكساد في الأسواق الأميركية والدولية ، فإن الكساد المحلي لن يسمح بالتعويض خصوصا وأن الصناعات الأردنية المصدرة مبنية على اساس التصدير أصلا . فهي غير منوعة وعالية الكلفة بالنسبة للمواطن الأردني. من المؤسف أن كل ذلك لا يحرك ساكنا في البلد الذي قد يجد نفسه أيضا من دون مساعدات أميركية او أوروبية أو خليجية. هل توجد حلول لتلافي الأزمة في الأردن؟ نعم يوجد ولكنها حلول جذرية تتطلب إرادة سياسية شجاعة واجماعا وطنيا. سوف يكون التوقف عن السداد خيارا مطروحا بقوة. كذلك العودة إلى الحماية الجمركية وتأميم أقسام من التجارة الخارجية والتدخل الحكومي الكثيف في الأسواق ومراقبة وضبط حركة رأس المال وأسعار الصرف والتوصل سريعا إلى حزمة من التعديلات القانونية والأنظمة التي تعالج كل ذلك، وخصوصا ايجاد بيئة داعمة للمشاريع المحلية الصغيرة والمتوسطة.

الحصول على موارد كافية للإنفاق على الخدمات العامة والدعم الاجتماعي لن يكون ممكنا بعد من دون فرض ضريبة تصاعدية ، بصورة جوهرية،على الدخل. وقد اصبح ضروريا كأنه عملية طواريء فرض رقابة ديناميكية على استثمارات الضمان الاجتماعي للحيلولة دون تبخر ادخارات العاملين، والتخلص من جيش العمالة الوافدة وفرض رسوم ثقيلة على خادمات المنازل.

على أن كل ذلك وسواه من الاجراءات التصحيحية ، لا يغنينا عن الشروع فورا في مشروع وطني كبير لحشد المدخرات المحلية وقوة العمل للحفاظ على النمو وتوزيع مكاسبه بصورة عادلة.باعتقادنا أنه حان لنا أن نعتمد على الذات في تنفيذ القسم الأول من قناة البحرين الأحمر والميت ،و تصنيع المنتجات الزراعية،وتأسيس شركة وطنية قابضة برأسمال محلي لاعادة امتلاك المؤسسات المخصخصة أو تنفيذ مشروعات كبرى مشغلة للأيدي العاملة المحلية

Posted in Uncategorized.