الأردن وروسيا .. ما بعد القمّة

الأردن بلد مهم جدا، بالنسبة لروسيا الاتحادية، في عهد عودتها، كقوة عالمية، إلى ملء الفراغ في الشرق الأوسط؛ فعمّان تلعب أدوارا، تراها موسكو إيجابية، في ثلاثة ملفات أساسية هي الملف السوري والملف الفلسطيني وملف مكافحة التطرف الديني والإرهاب. وعلى هذه الخلفية بالذات، نستطيع أن نقدّر أهمية القمة ـ وما شهدته من خلوة خاصة ـ بين الملك عبدالله الثاني والرئيس فلاديمير بوتين. وبما أن أحدا لا يستطيع إغفال أهمية العلاقات الشخصية في السياسة الدولية، فلا بد من الإشارة إلى علاقة الصداقة التي تجمع الرجلين.
روسيا التي أثبتت، بمناسبة الأزمة السورية، أنها استعادت مكانتها الدولية ورسخت صدقيتها وبرهنت على وفائها لحلفائها، مرتاحة كليا إلى الموقف الأردني الحيادي والمتزن إزاء تلك الأزمة المأساوية التي تضغط على المملكة في عدة مجالات كاللاجئين والإرهاب والآثار السلبية لتراجع المبادلات التجارية بين البلدين الشقيقين. وقد نجت عمان، بعد سنتين من الضغوط الخليجية والغربية، من التورّط في الشأن السوري؛ وبذلك، نجحت الدولة الأردنية في امتحان الاستقلالية السياسية. وعلى هذه الخلفية، وجدت القيادتان الروسية والأردنية، الأرضية الملائمة للشراكة بين البلدين.

لحسن الحظ، قرأ الأردنيون، في الوقت المناسب، التبدلات الحاصلة في السياسة الدولية، ليس فقط لجهة ظهور العالم المتعدد الأقطاب، وإنما، أيضا، لجهة حاجة الأميركيين للتفاهم مع الروس في الشرق الأوسط، بما يؤمن الحد الأدنى من مصالح واشنطن فيها، في مرحلة الانسحاب الأميركي المتعدد الوجوه من المنطقة. بمعنى ما، تتشكل، الآن، شراكة معقدة أميركية ـ روسية شرق أوسطية، أعطت لعمان الفرصة لحرية الحركة.

في الملف الفلسطيني هناك توافق أردني روسي تقليدي على حل الدولتين. ويستطيع الأردنيون، اليوم، الاستناد إلى الروس، للضغط باتجاه ذلك الحل من دون المساس بالمصالح الاستراتيجية للكيان الوطني الأردني، وخصوصا تلافي الضغوط الإسرائيلية والغربية لجر الأردن إلى مشروع الكونفدرالية المشبوه أو تحميل الأردن المزيد من أوزار التوطين.

ويثق الروس بقدرة الأجهزة الأردنية في مجال مكافحة الإرهاب. وبالنظر إلى توفّر أرضية من الشراكة السياسية الآن بين البلدين، فمن المتوقع ـ والضروري ـ تطوير شراكة أردنية ـ روسية في مكافحة التطرف والإرهاب.

لكن ماذا بعد كل ذلك؟ من المؤسف أن مستوى التعاون الاقتصادي بين الأردن وروسيا، ما يزال دون مستوى الشراكة السياسية، حتى في المجال الدفاعي الذي شهد تعاونا في إنتاج مشترك للأسلحة. وتشكل روسيا الصاعدة، استراتيجيا واقتصاديا، فرصة ثمينة للأردن لبناء شراكة اقتصادية في مجالات استثمارية كبرى وتعزيز التبادل التجاري والتقني والعلمي والسياحي الخ .

مشكلتنا هي أن طاقم الدبلوماسية الأردنية، السياسية والاقتصادية، تركّب وتعوّد العمل في ظروف أحادية القطبية. وهو، غالبا، ذو ميول غربية وأميركية، ولا يعرف شيئا كثيرا عن روسيا وفرص وإمكانات وتوجهات العملاق الروسي.

بإيجاز، سأقترح، هنا، المسارعة إلى قيام إدارة خاصة بروسيا في وزارة الخارجية، ودمج كادرات من المتخرجين من الجامعات الروسية فيها، وفي المؤسسات والهيئات الاستثمارية في كل المجالات.
الفرصة الروسية جاهزة، وعلينا الاستعداد الذاتي لقطفها.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.