ناهض حتّر
الشيخ حارث الضاري -بطلّته المهيبة ووجهه السمح- كان الوحيد الذي رحب بي،مغتبطا، لأنني من ” الأردن.. أهل الكرم والطيب” لكن الرجل نفسه لم يجد ما يحدثني به عن دور سياسي للأردن، في سياق الجهود العربية المبذولة لإيجاد حل سلمي للمسألة العراقية.
” الأردن .. غائب” هذه هي الخلاصة التي يمكن استنتاجها من متابعة فعاليات وكواليس مؤتمر الوفاق الوطني العراقي بالقاهرة. وهذه خلاصة مؤسفة للغاية، بالنظر إلى حجم العلاقات التقليدية التي تربط الأردن بالعراق، والأردنيين بالعراقيين، والإمكانات الخصبة التي كانت متاحة للتحرك الأردني.. عراقيا.
هناك، بالطبع، محددات موضوعية أربكت عمان منذ احتلال العراق، وهي أن الحرب تدور في هذا البلد، بين حلفائنا السابقين” الأوساط الاجتماعية والسياسية للمقاومة” وبين” الحليف” الأمريكي.وكانت الفعالية الأردنية تتطلب -ولا تزال -سياسة مستقلة إزاء العراق. وهذا الاستقلال، بالطبع نسبي وشائك ومتداخل، لكنه ممكن. والدليل على ذلك يتجسد في السياسة المصرية والسعودية نحو المسألة العراقية. فمصر والسعودية هما حليفان كبيران وثابتان للولايات المتحدة الامريكية، غير أن ذلك لم يمنعهما من تكوين تصور خاص بهما للحل، أو مد جسور مع القوى العراقية، بما فيها المسلحة، وهكذا، فحين أطبق المأزق العراقي على الأمريكيين، كانت القاهرة والرياض جاهزتين للقيام بدور رئيسي في اللحظة المناسبة. ولسوف يخلق هذا الدور سياقا بقوة دفع خاصة به، بينما الأردن.. غائب! وهذا الغياب خطأ استراتيجي.
الوقت لم يفت، بعد، لاستدراك هذا الخطأ، ولا يزال أمام عمان فرص لاحتلال مكانها في المبادرة العربية من خلال تنشيط وتوسيع علاقاتها مع القوى العراقية، والتوصل إلى مقاربة واقعية، أكثر جرأة للأزمة وتفاعلاتها وشروط وأساليب حلها، والشروع في جهود دبلوماسية وسياسية جادة حول العراق.
وهذه المهمة أردنية مئة في المئة، من حيث أنها تهدف إلى الحفاظ على مصالح الأردن الاستراتيجية عراقيا وإقليميا . غير أن أداءها بنجاح ، يتطلب التحرر من المصالح الآنية الصغيرة، والانطلاق من منظور قومي وإنساني، ومن مبادىء الشرعية العربية والدولية.
وتتضمن هذه المنطلقات، رؤى أكثر واقعية وفعالية، من منهج الاحتلال وتفكيك الدول وإعادة تركيبها بالقوة وبالبطش المعمم. والإلحاح على لا عقلانية هذا المنهج الاستعماري في مطلع القرن الحادي والعشرين، لا يصدر عن موقف إيديولوجي، بل عن مقاربة واقعية للمغامرة الامريكية الفاشلة في العراق، حيث يبدأ الحل، مهما يكن مضمونه السياسي -من وقف هذه المغامرة التي أصبحت عبئا ثقيلا على أصحابها بقدر ما هي عبء على الإقليم والعالم.
هل تعي عمان، أخيرا، هذه اللحظة، وتستدرك ما فاتها، وتلعب دورها الممكن، في الحل الممكن للمسألة العراقية؟ أم أنها ترضى بالتهميش الإقليمي لمكانتها ومصالحها؟