ما يزال تيار التجنيس والتوطين السياسي، المدعوم من الدوائر الأميركية والغربية والقَطرية، مصرا على استخدام القضية الإنسانية لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، في إثارة سجال يضر بالأمن الوطني الأردني.
آخر البدع في هذا المجال هو اقتراح عدد من النواب، لقانون يكفل الحقوق المدنية لهؤلاء الذين يبلغون أكثر من نصف مليون.
أذكّر بأن منح الحقوق غير السياسية لهذه الفئة من الأشخاص المقيمين فعلا في البلاد، هو اقتراح تبنيناه وأعلناه غير مرة، ولكن لماذا القانون؟ ولماذا لا يتم التعامل معه بموجب التعليمات الإدارية؟
اصدار قانون لضمان الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات … هو تأسيس لشيئين، أولهما دعوة مئات الآلاف للمجيء والتوطن في الأردن، ذلك أن معظم أولئك لا يقيمون في البلاد، وثانيهما التأسيس لتجنيسهم.
وهذا ضرب من التحايل يريد الاستفادة من قضية إنسانية محلية لفتح أبواب جديدة للتوطين.
من المدهش أن الذين يريدون قوننة الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات … هم أنفسهم الذين يرفضون قوننة تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية لعام 1988، ويقبلون بالصيغة البائسة والخطيرة معا، التي تضع الشأن السيادي الرئيسي المتعلق بالجنسية الأردنية، بين أيدي الإدارة، بدلا من أن تكون، كما هو الحال في أي دولة أخرى، بين يدي القضاء وتحت سيادة القانون.
ما هو السر في الإلحاح على رفض تعديل قانون الجنسية الأردنية لسنة 1954 بحيث يتم تضمينه تعليمات فك الارتباط، فنتخلّص من الازدواجية؟ بل لماذا يلح ذلك النفر من النواب على اقتراح قانون خاص يضمن حقوق أبناء الأردنيات … ولا تكون هذه الحقوق، وفقا للمنطق الحقوقي نفسه، جزءا من قانون جديد للجنسية يحل كل المشكلات القائمة في هذا المجال؟ وعلى سبيل المثال، فإن صيغتي المقترحة لقانون جديد للجنسية الأردنية، تتضمن تجنيس أبناء الأرامل والمطلقات ممن وُلدوا في الأردن ويقيمون في البلاد إقامة فعلية دائمة. وهذا منظور واقعي للتعامل مع الحالات الإنسانية، لا يتضمن شبهة فتح الشهية للتوطين والتجنيس .
أكرّر أننا لسنا ضد الحقوق، بل إننا نريد ضمانها للجميع من دون تمييز … ولكن تعالوا نتفق على إخضاع كل العناصر المرتبطة بالجنسية والمواطنة والحقوق المدنية والمساواة… لسيادة قانون موحد يكفل مصالح كل الأطراف، ويضمن حقوق الناس وحقوق الوطن.
هذا هو الحل الوحيد الذي يُخرج هذا السجال من مستواه السياسي إلى مستواه القانوني؛ فلا يعود محل أجندات واصطفافات وخلافات وسجالات بالغة الضرر بالبلد ومستقبله.
(العرب اليوم)