ناهض حتّر
ربما تكون المفاوضات غير المباشرة بين حزب الله واسرائيل، لتبادل الاسرى اللبنانيين، قد بدأت الآن فعلاً. وهذا يعني أن سمير القنطار ورفاقه سيعودون، عما قريب، الى لبنان، مكللين بالغار.
وعد السيد حسن نصر الله الصادق حقاً، أصبح، الآن قيد التنفيذ. وقد كان الثمن باهظاً جداً، نعم. ولكن الاصرار على تحرير الاسرى لا يتعلق بشخوصهم وحريتهم، بقدر ما يتعلق بالوطن وحريته، وبصراع الارادات مع العدو، وكسر غطرسته، وتحجيمه استراتيجياً الى حدود الالتزام – أقله – بالقانون الدولي.
احتفاظ اسرائىل بالاسرى يعني احتفاظها بقدرتها على ان تكون القوة المهيمنة في المنطقة، ذات القدرة على ممارسة «السيادة الاقليمية» بما في ذلك اعتقال وسجن مواطنين من الدول الاخرى، واحتلال اراضيها، ونهب ثرواتها المائية، والتدخل في شؤونها الداخلية، وفي قرارها الوطني، واجبارها على القبول بترتيبات امنية خاصة، وبناء علاقات ثنائية مفروضة في كل المجالات.
باختصار، فان قضية الاسرى هي قضية السيادة. وقد خاض حزب الله، معركة بطولية انتهت باضطرار اسرائيل الى ادراك حقيقة ان استمرار اعتقال مواطنين لبنانيين، لا تتقرر في مجلس الوزراء الاسرائىلي، بل في الميدان. كذلك الحال بالنسبة لمزارع شبعا وخرائط الالغام والمطالب اللبنانية الاخرى.
السؤال المطروح، الآن، على وعي كل اسرائىلي ،هو سؤال تفكيكي بامتياز، وهو لماذا الحرب.. اذا كانت ستنتهي بما عرضه حزب الله سلماً في 12 تموز، أي التفاوض غير المباشر لتبادل الأسرى؟
وقد وصفنا هذا السؤال بأنه تفكيكي، لانه يولد سلسلة من الاسئلة التي تفكك المنظور الصهيوني بالكامل، حول القدرة الردعية لاسرائىل، وعجزها امام منظمة مقاومة جادة، وثمن الحرب غير المجدية، وموت الابناء لحساب الاستعمار الامريكي، ولحساب التطرف والعدوان واوهام القوة وسياسات الاحتلال والاغتصاب والغطرسة؟.
بعد ان ذاقوا، لاول مرة، ويلات الحرب والقصف والاختباء في الملاجئ والنزوح، واضطر جيشهم الى الانكفاء يجرّ خيبته وقتلاه وجرحاه ودباباته المحترقة، واضطرت حكومتهم الى الاحتماء بمجلس الامن الدولي، سوف يصحو الاسرائيليون، اخيراً، على مرارة الهزيمة.
اصبح لهم تموزهم.. مثلما كان لنا حزيراننا…
حكومة الاجماع بزعامة اولمرت .. سوف تسقط. وسوف تتقاتل اطروحتان، يمينية تحشد للثأر من الهزيمة واستعادة موقع ومكانة وسياسات اسرائىل لما قبل 12 تموز .. وأخرى يسارية تدعو الى صفقة سلام مع العرب.
انها، اذن، لحظة الهجوم السياسي العربي على اسرائيل، من اجل التصفية الشاملة لاثار عدوان ال¯ 67 فورا: تصفية الاحتلال والاستيطان واطلاق الاسرى وعودة اللاجئين والنازحين، ونزع السلاح النووي الاسرائىلي وتقييد التسلّح وحل كل المشكلات العالقة، دفعة واحدة، وفق جدول زمني قصير المدى.
ونحن نتحدث عن هجوم سياسي. لا عن جولة جديدة من «الجهود السلمية»، تحت رعاية وسيط، ثبت انه هو نفسه العدوّ.
والهجوم السياسي الممكن والضروري على اسرائيل وامريكا، اصبح الآن مشروطاً بتكوين جبهة عربية تبدأ بترتيب السلام الاهلي والاستقرار واعادة البناء في عراق مستقل متحرر من الاحتلال الامريكي.
* * *
لا يتوهمن احد بأن حزب الله سوف يلقي سلاحه، لا يتوهمن احد بأن انتصار تموز سوف يمر كسحابة صيف على الشعوب العربّية
تموز 2006 محا حزيران 1967
وانموذج المقاومة اللبنانية سوف يلهم الجيل الجديد الى طريق النصر. واذا كان ميزان القوى الحالي يفرض التوصل الى مقاربة سلمية شاملة، فان اتجاه الريح يمضي نحو مقاربة جذرية غداً.
* * *
في وقت قريب، حين يطل سمير القنطار .. على لبنان ترفرف في سمائه رايات النصر .. .. سوف يدرك الآف الشباب اللبنانيين والعرب، معنى جديداً للحياة .. والوطن والمستقبل.
مجداً للبنان الذي لا يفرط بابنائه، ولا بذرة من ترابه، ولا بقطرة من مياهه ولا بخدشٍ في سيادته، او في حريته في اتخاذ القرار.