العرب اليوم
ناهض حتّر
«دروع بشرية لحماية العراق من العدوان الأميركي القادم» فكرة أردنية سرعان ما أصبحت مقبولة عربياً ودولياً. وهناك أنصار للسلام في كل الأرض، يندفعون إلى تنفيذ الفكرة والمجيء إلى العراق … قبيل العاصفة.
فكرة نبيلة وشجاعة وتعبير ملموس عن رفض العدوانية الأميركية، والتضامن مع الشعب العراقي، والهزء بجبروت آلة الحرب الإمبريالية. غير أن كل تأخير في التنفيذ، ينسف جدوى الفكرة … فالمطلوب من الدروع البشرية ليس التعرض للموت تحت القصف … وإنما المساهمة في منعه. وهكذا، فنحن، بالفعل، في سباق مع الزمن: إن كل أنواع الاحتجاجات ضد العدوان الأميركي على العراق … ينبغي لها أن تبدأ الآن، وأن يكون لها هدف ملموس … هو عرقلة العدوان. وبغير ذلك، تظل قيمتها رمزية فقط.
وأنا آسف، هنا، أن أكتب عن شعوري بأن الحكومة العراقية لا تفعل ما يكفي من أجل استجماع المظاهر والعناصر والمبادرات المعادية للحرب، وتوظيفها، إعلامياً وسياسياً. وبالطبع، هناك البطء المعهود عند البيروقراطية العراقية، وكذلك غياب منظمات المجتمع المدني وضعف (بل تخلف) الأجهزة الإعلامية في العراق … ومع ذلك، فإنني أرجح أن السبب الرئيسي وراء ضعف الاستقطاب العراقي … يعود إلى وجود قرار سياسي بعدم التصعيد ضد الأميركيين، أملاً بالتوصل إلى تسوية. وهي تسوية – كما هو معروف – مستحيلة إلا إذا فكك النظام العراقي نفسه طواعية، ما يعطي للأميركيين فرصة احتلال البلد … من دون حرب.
لقد قدمت بغداد، في الأشهر الأخيرة، تنازلات نوعية. وهذه إيجابية ومطلوب الالتزام بها، طالما أنها تستخدم، عراقياً، لاستقطاب الأنصار، عربياً ودولياً، ضد الحرب … ولكن التصرف على أساس أن هذه التنازلات بحد ذاتها سوف تمنع الحرب – فهذا وهم.
***
العدوان على العراق قائم ومستمر وسيستمر ويتصاعد … غير أن “الحرب” ليست، بعد، محسومة مئة بالمئة… ويمكن – ما يزال ممكناً – تجاوزها أو الحدّ من همجيتها أو تثليم أهدافها السياسية، من خلال مزيج محسوب من الالتزام الحرفي بالقرار الدولي 1441 والتصعيد السياسي– الإعلامي… وهذا لا يكون بالتصريحات… ولكن بالإجراءات والاتصالات والمبادرات … وهي– في كل العالم– في درجة حرارة أعلى … من درجة حرارة القرار السياسي في بغداد.
***
دروع بشرية؟! ولم لا؟ ولماذا لا تبادر بغداد – جدياً وإجرائياً وعلى نطاق واسع – إلى استقبال المتطوعين من كل بلدان العالم، وتنظيم الحملة، وتدويرها بسرعة وكثافة. فالمعركة ما تزال مفتوحة…. لم تحسم بعد …. ومتطوعو الدروع البشرية، سيسهمون، أولاً وقبل كل شيء، في التعزيز النفسي والسياسي لصمود المواطن والجندي العراقي.
***
الحذر الزائد من قبل بغداد – وحالة الانتظار … والدبلوماسية السرّية … وتقديم التنازعات من دون توظيفها بكفاءة وجدّية … كل ذلك يدفعني إلى استيضاح القرار السياسي العراقي بشأن المواجهة.