ناهض حتّر
قضيت مثل سواي من الاردنيين اجازة ملتاعة، لقد تحولت الاعياد الى مأتم وطني محتشد بالانفعالات، الحزن والصدمة، لاعدام الرئيس صدام حسين، المثقل بالرموز.
وهناك، في هذا البحر من العواطف الجياشة، ما هو اكثر من الالم لاستشهاد رئيس عربي يحظى بشعبية استثنائية في الاردن، وما هو اكثر من الشعور بالاهانة لتوقيت الاعدام، والمرارة من حفلة الردح المذهبي المنحطة التي احاطت بالرئيس في لحظة الاعدام. بل واكثر من الشعور بالفخر برجولة الرئيس امام المشنقة الايرانو امريكية اسرائيلية.
والاكثر هو، بالذات، ادراك الضعف الذاتي امام التحالفات، العلنية والضمنية، للقوى المعادية للعرب والشعب الاردني. ولذلك، كانت اللحظة مأساوية بامتياز، ولحظة وطنية اردنية بامتياز.
وفي هذه اللحظة تحديدا تكثفت مشاعر الاردنيين الملحاحة اصلا- بالهوة العميقة التي تفصلهم عن حكومتهم وسياساتها واوساطها. فلم يتحسس المسؤولون الاردنيون ان الشعب الاردني في حالة فجيعة ولم تصدر عنهم كلمة عزاء، ولا كلمة تطمين، ولا عدّل تلفزيونهم لبرامجه الاحتفالية الثقيلة الظل. بل حتى انهم في السلط، اوعزوا بتمزيق الاعلانات عن مجلس العزاء المحلي بالرئيس الشهيد في المدينة.
وهذا الانفصال الشعوري- الانفعالي هو بالاحرى، تصعيد رمزي للانفصال السياسي عن الشعب، ادى الى بروز الشرخ الحاصل في الموقفين الرسمي والشعبي وهذا هو الاساس في انتشار الهواجس والمخاوف.
بالمحصلة لم يدرك المسؤولون الاردنيون ان معالجتهم لقضية استشهاد الرئيس صدام لا تدخل في حسابات السياسة الخارجية، بقدر ما تدخل في حسابات السياسة الداخلية. وعند هذه النقطة بالذات، يصبح لزاما على الحكومة الاردنية ان تراجع الموقف برمته.
على الجانب الاخر -الاهلي- اظهرت القوة السياسية الرئيسية في «المعارضة» اغترابها عن الاغلبية، فالاخوان المسلمون الذين انخرطوا – مشكورين- في العزاء الشعبي بالرئيس الشهيد، لم يتحملوا بدورهم المسؤولية. وعلى الرغم من كل محاولاتهم للتقرب من الشعب، كشف تضامنهم مع نائب الرئيس العراقي- المعين من قبل الاحتلال- رئيس الحزب الاسلامي طارق الهاشمي، ان اجندتهم الفعلية مختلفة، وان عزاءهم بالرئيس الشهيد.. مجاملة واستغلال للمناسبة.
والاخواني العراقي، الهاشمي، من خلال منصبه الرسمي وتحالفه السياسي مع اطراف النظام العراقي الاحتلالي او اندراجه العلني في المشروع الامريكي في العراق، هو بلا لبس، شريك كامل في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد. وقد كان صمته حيالها بليغا.
من حق الاخوان المسلمين ان يكون لهم موقف انتقادي من الرئيس الراحل وفكره وتجربته – انا- مثلا- انتمي الى تيار فكري سياسي يساري له ايضا، مواقف نقدية ومعارك مع تجربة الرئيس الراحل. لكن، نقد تجربة في بناء الدول الوطنية شيء، والاندراج في نظام احتلالي شيء اخر.
والموقف السياسي الحقيقي للاخوان المسلمين من المشروع الامريكي في العراق، لا تحسمه -فقط- ادانة الاحتلال، بل، ايضا وبالاساس ادانة «رفاقهم» العراقيين المنخرطين في ذلك المشروع- وهو ما ينطبق ايضا على تلك الاقلية من الشيوعيين الاردنيين التي لم تدن صراحة حتى الآن، نظيرتها المشاركة في العملية السياسية الامريكية في العراق.
وما يقلقني في النهاية في موقف «الاخوان» الاردنيين الملتبس، ليس البعد العراقي. بل البعد الاردني الداخلي. ذلك ان الامتناع عن ادانة الهاشمي وحزبه الاخواني بصراحة وبقوة، يعني، في الاخير، ما يلي:
1- ان امكانية التفاهم والتعاون مع المشروع الامريكي ليس محرما بصورة قطعية عند الاخوان الاردنيين.
2- ان نزعة التحالف التي يظهرها «الاخوان» نحو القوميين واليساريين في بلدنا، ليست استراتيجية بل تكتيكية صرفة، بحيث انهم لا يستطيعون الاندماج النفسي- السياسي مع اطراف الحركة الوطنية الاردنية.
3- ان «للاخوان» كعادة كل الحركات الدينية السياسية- موقفين، علني وباطني.
في مواجهة الانفصال النفسي السياسي للقطبين المسيطرين، الحكومي والاخواني، عن الاغلبية، هناك ما يدعو، مجددا لولادة الحركة الوطنية المستقلة.