قمة عمان
العرب اليوم
ناهض حتّر
مهما تكن نتائج القمة العربية الدورية الاولى في عمان، اليوم، فهي ستتمخض، حتماً، عن جديد هو ولادة مؤسسة قومية مستحدثة هي «رئاسة القمة» فهذه لم تعد موقوتة بالانعقاد، وانما اصبحت تمتد لعام كامل، اي حتى انعقاد القمة الدورية التالية، حين يتم تسليمها للبلد المضيف التالي، وهكذا… في انتظام مؤسسي يشكل، بحد ذاته، خطوة الى الامام.
وقد حاز الاردن شرف تولي رئاسة القمة في دورتها الأولى… وإذا كان ذلك قد تم بالمصادفة الابجدية، فهو جاء في وقته، فمن حسن الطالع السياسي للبلد الذي يشكك رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون بهويته ومكانته ومستقبله، ان يتولى هو بالذات رئاسة ارفع مؤسسة عربية، في ما يمثل رداً قوياً على التحدي الاسرائيلي الشاروني، وفي ما يعطي لعمان مساحة واسعة للتحرك الدبلوماسي والسياسي، وتأكيد حضورها عربياً واقليمياً، وصد الضغوط الاميركية «والتقرب» الاسرائيلي.
عمان، اذن، ولسنة كاملة، عاصمة سياسية للعرب. وهي الى ذلك وفي مصادفة سارة اخرى، ستكون العام 2002 عاصمة للثقافة العربية. فإمام الاردنيين الان اكثر من فرصة لابراز قدراتهم، واعادة صياغة صورة بلدهم على المستوى العربي، حيث ساهمت اخطاؤنا وجهود حلفاء الشارونية معاً، في خربطتها والاساءة اليها.
ولكن المهمة الملقاة على عاتق عمان، على مستوى تطوير العمل العربي المشترك، ثقيلة حقاً، اذ يتوجب عليها ان تؤكد جدية مؤسسة رئاسة القمة ومكانتها وفعاليتها، بينما تبدأ، في ذلك كله من نقطة الصفر، ما يفرض عليها الشروع تواً في ديناميكية دبلوماسية وسياسية مبدعة تجعل من المؤسسة القومية الجديدة، بالفعل مؤسسة.
ولكي تتمكن عمان من القيام بهذه المهمة النبيلة، فهي مطالبة اولاً، بترتيب اولويات سياستها الخارجية، ليس فقط باتجاه التوافق الشكلي مع الاجماع العربي، ولكن بالاساس، باتجاه خلق دينامية تجعل من ذلك التوافق عملية مستمرة، يلعب فيها الاقتناع العربي بجدية الموقف الاردني دوراً لا مناص منه. وهذا ما يفرض على عمان، بالدرجة الاولى، تجميد العلاقات الثنائية مع اسرائيل، وصد كل اشكال الضغوط المعاكسة.
لقد اعتذرت عمان، عشية انعقاد القمة، عن استقبال وزير الخارجية الاسرائيلي شمعون بيريز. ويبدو انها اعتذرت ايضاً، عن استقبال مبعوث شارون، الذي قيل انه يحمل للمسؤولين الاردنيين رسالة «اعتراف» بالمملكة من رئيس الوزراء الاسرائيلي. والى ذلك، رفضت السلطات الاردنية، السماح للصحافيين الاسرائيليين بتغطية اعمال القمة العربية، بل وابعدت ستة منهم حضروا بالفعل، الى عمان «تجنبا للاحراج» و «تعكير صفو اجواء القمة»، ونحن نأمل ان يتحلى المسؤولون الاردنيون بهذه الروح، اقله خلال سنة الرئاسة الاردنية، فاغلبية العرب ما تزال في حالة عداء رسمي مع اسرائيل، ومن بين العرب من هم في حالة عداء فعلي معها، ويرفضون كل اشكال التعامل الثنائي والتطبيع الخ… وعلى عمان ان تقنع العرب، كل العرب بان التزاماتها الخاصة بالمعاهدة الاردنية-الاسرائيلية للعام 1994، لا تعلو على التزاماتها العربية، خصوصاً وهي تتبوأ رئاسة ارفع مؤسسة قومية.
ان العلاقات الثنائية الاردنية-الاسرائيلية مجمدة بالفعل، ومن الطرف الاسرائيلي الذي اقفل والى اشعار اخر، كل ابواب العملية السلمية، ما يشكل اضافة الى عدم احترامه اياً من الالتزامات المنصوص عليها في «المعاهدة» الأردنية-الاسرائيلية، منطلقاً سياسياً لتجميد المعاهدة والعلاقات الثنائية والتطبيع… من الطرف الاردني.
ولابد ان ينعكس هذا الموقف الخارجي على السياسات الاردنية الداخلية، فيتم وقف الحملة على قوى مقاومة التطبيع، واغلاق هذا الملف الذي اساء، مجدداً، لصورة الاردن العربية. ونحن ندعو في هذا المجال الى توافق واقعي بين الحكم والحكومة والقوى السياسية والنقابية والمدنية على سياسة موحدة ازاء اسرائيل، تأخذ بعين الاعتبار جملة عوامل اهمها:
– سياسات الائتلاف الشاروني الحاكم في اسرائيل. وهي سياسات معادية للعملية السلمية برمتها وتقوم على التنكيل بالفلسطينيين والعداء الايديولوجي للكيان الاردني، والتصعيد الاعلامي السياسي ضد مصر، وربما العسكري ضد سورية ولبنان. ومما لا شك فيه ان التعامل مع هذه السياسات من وجهة نظر محاولة «تحسينها» عبث لا طائل منه، فكل «فرصة» تأخذها الشارونية سوف تعززها، وتقنع الجمهور الاسرائيلي بانها مقبولة عربياً، وانه يمكن فرض شروطها على العرب، ولعل التعامل العقلاني الوحيد مع السياسات الشارونية، يكون بالتصدي لها، وعزلها، واقناع الاسرائيليين، بالتالي، انه لا سلام ولا علاقات ثنائية ولا تطبيع مع اي طرف عربي مع وجودها في سدة الحكم.
– «سنة الرئاسة الاردنية» وما تفرضه من التزامات وحسابات ازاء العمل العربي المشترك وضرورة الحصول على دعم كل الاطراف العربية، بما فيها الاكثر تشدداً للدور الاردني التأسيسي، في الدورة الاولى من رئاسة القمة.
– الصعوبات الموضوعية التي تحول دون اتخاذ عمان، اجراءات حاسمة ورسمية ضد «المعاهدة» والتزاماتها، على ان لا تستعمل هذه النقطة لتبرير الليونة السياسية، وتجاوز ضرورة التجميد الواقعي «للمعاهدة» والعلاقات الثنائية.
-ضرورة الحرص على الاجماع الوطني، وعدم السماح بانفجار خلافات حادة بين الحكومة والمعارضة، ما يضعف مكانة «بلد الرئاسة»، وهو ما يستلزم ان تبادر الحكومة الاردنية على الفور، بخلق آليات حوار وتفاهم مع قوى المعارضة الحزبية والنقابية والمدنية.
***
…وفيما يتصل بالعراق، وبالقضايا العربية الاخرى، فليس ثمة، لحسن الحظ مسافة كبيرة تفصل بين الموقفين الرسمي والشعبي، بحيث يمكن التوصل الى سياسات اجماع وطني، بدون صعوبات رئيسية.
**
نأمل، وعمان تغدو منذ اليوم عاصمة العرب السياسية، وتستعد مطلع العام المقبل لان تكون عاصمتهم الثقافية ان تحظى الصحافة بمساحة اكبر من الحرية، وان تتاح للعمل السياسي الشعبي فرصة المشاركة الفعالة، وان تجري الانتخابات النيابية في موعدها، وعلى اساس قانون انتخابات جديد يأخذ بالاعتبار التوافق الوطني.
ونحن نريد ذلك وغيره، ليس فقط من اجل ان نقدم للعرب انموذجاً اردنياً محترماً، وانما بالاساس لكي نبرهن لانفسنا باننا جديرون بالمقعد الذى نشغله… ولكي نبرهن للعرب، اننا قادرون على القيام بدور قومي فاعل، انطلاقاً من صلابة الاجماع الوطني الذي لا يمكن تأسيسه الا ديمقراطياً… وبالانسجام الكامل مع المتطلبات القومية.0
استحقاقات داخلية وخارجية لتولي الاردن مؤسسة رئاسة القمةتجميد العلاقات مع إسرائيل، والحريات، والابداع الدبلوماسي
Posted in Uncategorized.