ناهض حتّر
اثبتت الامتحانات القاسية التي تعرض لها لبنان منذ مقتل زعيم تيار المستقبل، رئيس الوزراء اللبناني القوي رفيق الحريري، ان الحريرية لم تتجذر في التربة السياسية اللبنانية، فهي ارتبطت بالرجل، وقامت على اكتافه، وانتهت برحيله.
و«الحريرية» – ان صحت التسمية – هي مبادرة من خارج النادي السياسي اللبناني التقليدي، متحررة من ارتباطاته وعقده وايديولوجياته، اسست «عصبيتها» الداخلية عن اساس المال والاعمال، فاحتكرت – او كادت – تمثيل «السنّة»..
ولكن على اساس اطروحة توافقية بين «البزنس» و«المقاومة»، وبين السنّة والشيعة، وبين المسيحيين والمسلمين، وبين مقتضيات النفوذ السوري والنفوذ السعودي، والعلاقات الخاصة مع فرنسا، والتفاهم الضمني على سياق لتنظيم كل هذه التناقضات في اتجاه عام لا يتعارض مع المشروع الامريكي في المنطقة.
لكن هذه الصيغة المعقدة الاستثنائية سقطت، بسبب احتدام الصراع في المنطقة، حتى في حياة رفيق الحريري نفسه، وعلى الارجح انه دفع حياته ثمنا لسقوط صيغته، وليس العكس.
ومع ذلك، يمكننا ان نتصور اية هوة تلك التي تفصل اداء رفيق الحريري عن اداء وريثه سعد، الذي يتراجع اداؤه ودوره، يوما بعد آخر، ويتقلص حجمه السياسي الى الرقم «3» في تحالف 14 شباط، بعد وليد جنبلاط وسمير جعجع، ويظهر – تباعا – بانه يفتقر الى البرنامج الخاص او الرؤية الخاصة او حتى الاداء الخاص.
وهكذا، فقد انتهت الحريرية من حيث المضمون.. ومن حيث الشكل ايضا، وخلفت فراغا سياسيا في تمثيل سنّة لبنان، انبرت لملئه، حتى الان قوتان، الاولى رمزية، وتتمثل في رؤساء الوزارات السابقين – وعلى رأسهم سليم الحص – ولكن تنادى هؤلاء الى الاجتماع واصدار «مذكرة تفاهم» مضمونها الرئيسي انها تسعى للانتقال «بالسنّة» من حلف 14 شباط الى التحالف مع المقاومة وخطها، وهي تتبنى اطروحات هذا الخط بالكامل.
والثانية اكثر من رمزية، وتتمثل بالجماعة الاسلامية «الاخوان» وهي تؤكد حضورها من خلال مبادرات سياسية هجومية ضد تحالف 14 شباط ايضا، وتظهّر انتماءها الى خط المقاومة.
والى هاتين القوتين، يسعى التيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون. وهو يقدم نفسه كتيار علماني وطني الى وراثة قسم من جمهور الحريرية في الوسط السني اللبناني، الى درجة استفزت تيار المستقبل الى الاعتداء على مكتب التيار في قلب بيروت السني، وقد اعلن التيار بصراحة ان نشطاء المكتب هم من «ابناء الطائفة السنية الكريمة».
واذا ما حسبنا، الى كل ذلك الشعبية التي كسبها حزب الله في صفوف الاوساط الللبنانية، نستطيع القول ان الحريرية في ازمة بعودة سنة لبنان، مرة اخرى، مثلما كانوا تاريخيا بدون مركز سياسي خاص.