ناهض حتّر
أتاحت وزارة الداخلية للاخوان المسلمين، تنظيم مظاهرة ناجحة، يوم الجمعة الماضي في قلب عمان، لكنها منعت، بصورة متشددة، نشاطات اخرى للتضامن مع لبنان، في مجمع النقابات المهنية، وشارع الثقافة بالشميساني.
ربما تكون هناك اعتبارات فنية وراء المواقف المتناقضة لوزارة الداخلية التي تصرّ على طلب تصريح بالموافقة على كل نشاط، بما في ذلك داخل ساحات مغلقة مثل ساحة مجمع النقابات المهنية، لكن، علينا ان نلاحظ انه، من الناحية السياسية، فإن الاجراءات البيرقراطية والامنية، تساهم، هي الاخرى، في تعزيز الصورة النمطية للمعارضة، والحركة الشعبية الاردنية، باعتبارها اسلامية.
لقد انخرط كل المواطنين الراغبين في ادانة العدوان الاسرائيلي على لبنان في المظاهرة «الاسلامية» مع ان قسما كبيرا من هؤلاء ينتمون الى تيارات سياسية وفكرية أخرى، الا انهم يفتقرون الى المنابر الخاصة بهم. وهذه الحقيقة لا تفيد في تفكيك تلك الصورة النمطية التي تم بناؤها على مدار عقدين، من خلال تضافر النزعة الى التنميط لدى السلطات والاعلام «المحلي والعربي والدولي».
لدى الاسلاميين، بالطبع، امكانات تشكل الكتلة الحرجة اللازمة للسيطرة على صورة الحركة الشعبية، لكننا نستطيع ان نشير الى عناصر اخرى تساهم في تشكيل هذه الصورة . منها الميل الحكومي الدائم الى تفضيل التعامل مع الاسلاميين، دون سواهم، لتنظيم التحركات الشعبية.
ويعود ذلك الى الاعتياد والثقة والاطمئنان الى القدرات التنظيمية التي يملكها الاسلاميون الذين يتقنون، على كل حال، فن التعاطي مع الاجراءات البيرقراطية والامنية المعقدة.
لدينا، من جهة اخرى، استصغار القوى السياسية العلمانية لقدراتها، وميلها المتعاظم للاختباء في عباءة الاسلاميين في حين ان معظم هذه القوى، لا تملك اية امكانات، وبالنتيجة، نصل الى محصلة صفريّة للعمل السياسيّ بالنسبة للقوى الوطنية واليسارية والقومّية والديمقراطية. ذلك ان «وجود» هذه القوى ونشاطها في اطار اسلامي، يحولها الى اضافات كميّة تعزز الصورة النمطية للحركة الشعبية ذات النوع الواحد واللون الواحد.
بالنسبة لي، شخصياً، فانني لستُ مصاباً برُهاب من الاسلاميين. بالعكس، لقد تعاملتُ معهم، دائماً، من موقع التفاعل النقدي. ولطالما ناصرتهم عندما كانوا يتعرضون لحملات شرسة. وهذا ما يسمح لي بالقول ان احتكار النشاطات الجماهيرية من قبل الاسلاميين، يضرّ ضرراً بالغاً بالحركة الشعبية، والتعددية ومساعي الاصلاح الديمقراطي. بل انه يضر بالاسلاميين انفسهم، لأن اضعاف القوى الوطنية الأخرى، يتيح الانفراد في لحظة ما، بالاسلاميين، من دون نصير جدي.
بالمقابل، فان الشكوى الحكومية والأمنية المتكررة من انفراد الاسلاميين بالشارع، لم تعد تقنعني، ان سياسة تفضيل الاسلاميين ما تزال هي المسيطرة في كل مفاصل القرار الحكومي والأمني. ولذلك، فعندما يصطدم هذا القرار مع الاسلاميين فانه لا يجد في جبهته سوى الابواق التي لا تتمتع باية صدقية او حضور اجتماعي او سياسي او ثقافي.
هل هذا هو الوقت الملائم لهذا السجال؟ نعم. فالهجوم الأمريكي- الذي يستخدم الجيش الاسرائيلي- ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، سوف يؤدي الى تصاعد وتيرة النشاطات الجماهيرية. وهذه مناسبة لكي تجدد القوى العلمانية دماءها او لكي تجدد الحركة الاسلامية هيمنتها على الحركة الشعبية.
فهل يجرؤ العلمانيون على التفاعل مع الشارع تحت راياتهم الخاصة، مرة اخرى؟ انها، على كل حال، لحظة مواتية لاختبار النوايا الحقيقية للقرار الرسمي.