اجواء مصالحة مع الاسلاميين

ناهض حتّر
ما هي حقيقة وحجم ومَدَيات الخلاف بين النظام السياسي الاردني وبين الحركة الاسلامية؟

سؤال الحَّ عليَّ، طوال الاسبوعين الماضيين، واقضّ مضجعي. ذلك ان الحملة الاعلامية ضد الاسلاميين، تعطي الانطباع بأننا نسير نحو تكوين موقف علمانوي استئصالي ضد الاسلاميين، يستنفر، بالمقابل، جبهة اسلاموية متصلبة تختلط فيها الاوراق والاجندات، ويتراجع فيها التيار الاسلامي الوطني لصالح الحماسيين والتكفيريين، في مواجهة مفتوحة مع المجتمع والدولة، في انموذج كلاسيكي مدمّر، بل قل انتحاري عرفته وتعرفه مجتمعات عربية ومسلمة عديدة كان افظعها ما عرفه المجتمع الجزائري.

وقد حسبت وما زلتُ – ان التيار الرئيسي في النظام .. والتيار الرئيسي في الحركة الاسلامية، قد وقعا اسيرين لتطور الاحداث، فهل من مخرج؟

يواجه الاردن – وطناً ودولة – اخطارا متعاظمة محدقة عديدة متشابكة. وفي مقدمة هذه الاخطار، خطة شارون – اولمرت التوسعية في الضفة الغربية، ومؤداها تحطيم الاسس الجغرافية والاقتصادية السياسية والامنية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وهو ما يضع الاردن في مواجهة اعباء وعقابيل ترانسفير ديمغرافي وسياسي، ويعرض الامن الوطني الاردني والكيان الاردني لضغوط قاسية جداً.

والى الشرق، حيث حطم المحتلون الامريكيون الدولة العراقية والمجتمع العراقي، تحول العراق من عمق استراتيجي الى عبء استراتيجي يضغط على الاردن سياسياً وديمغرافيا وامنياً، ويضع بلدنا، مباشرة، في مواجهة التوسعية الايرانية والتهديدات الارهابية التكفيرية. وانا لا اقصد، بطبيعة الحال، المقاومة العراقية.

والى الجنوب، هناك الخليج ببناه القابلة للتصدّع تحت ضغوط دولية واقليمية وطائفية وامنية، في حين تبدو المنظومة الخليجية عاجزة عن وضع ثقلها المعنوي والمالي في تجديد واحياء النظام العربي.

والى الشمال، حيث كانت سورية تشكل الحل بالنسبة للازمات الاردنية كما في الـ 1970 «احداث ايلول» و 1974 «اقرار العرب بفصل الضفة عن الاردن وعزل البلد» و 1988 «قرار فك الارتباط» اصبحت سورية الآن في ازمة جراء الاستهداف الامريكي المتحالف مع «الاخوان» داخلياً وآل الحريري وحلفائهم – في لبنان – وقد اضطرتها هذه الازمة الى الاستعانة بالتحالف مع ايران، وربما التموضع في حساباتها وهذه حالة من الاستقطاب الاقليمي تضع الاردن امام خيارات صعبة.

على هذه الخلفية، فان حركة المقاومة الاسلامية « حماس» – وهي الفصيل الفلسطيني الاقرب الى الاردن والاكثر موثوقية من قبل الاردنيين – وجدت نفسها محاصرة ومُستقطبة، ومضطرة الى الدفاع عن نفسها في مواجهة الاستئصالية الفتحاوية، والى الاندراج في الخط الايراني، المتنفس الوحيد الممكن لحركة مطلوب رأسها.

هذا الوضع المعقد والخطر والاستثنائي، يتطلب من الاسلاميين الاردنيين، مراجعة شاملة للموقف،، وبالطبع، ليس مطلوباً منهم الاصطفاف مع الموقف الرسمي في خياراته الدولية والاقليمية.

ولكن المطلوب من الاسلاميين الاردنيين ان يتوصلوا الى بلورة موقعهم الواضح في المعارضة الوطنية الاردنية. وهو ما يتطلب «1» الانفصال الفكري والسياسي والتنظيمي عن «حماس» واجندتها وتحالفاتها الاقليمية، باتجاه اندراج الحركة الاسلامية الاردنية في حزب اسلامي اردني غير ملتبس «2» الانفصال فكرياً وسياسياً – وبصورة جذرية – عن الفكر التكفيري والمجموعات التكفيرية وعقليّة وممارسة العنف، الفكري او المسلح «3» تطوير انموذج فكري للاسلام السياسي الاردني التنموي الديمقراطي. وليس عندي من شك بأن انحياز الاسلاميين الى الديمقراطية، فكرا وممارسة، سوف يعجل بالتغيير الديمقراطي والديمقراطي الاجتماعي في البلاد.

وبالنسبة لي – كيساري – فانا ادعو الاسلاميين الى تشغيل آليات الصراع السلمي حول قضايا الدفاع عن فقراء الريف والبادية والمخيمات، والدور الاقتصادي – الاجتماعي للدولة، وعدالة وقانون الضريبة على الدخل وتحديث قوانين الحريات .. الخ باعتبار هذه القضايا – وشبيهاتها – هي القضايا المركزية للعمل السياسي، وليس الدفاع عن الخيارات السياسية المعقدة لـ«حماس».

انا لستُ ضد «حماس» ولا حتى ضد خياراتها. ولكنها ليست قضيتي ولا قضية الاسلاميين الأردنيين. نحن قضيتنا الدفاع عن استقلال الأردن وسيادته في مواجهة التوسعية الاسرائيلية والاخطار الاقليمية. قضيتنا الدفاع عن الطبقات الشعبية، قضيتنا الدفاع عن كيان بلدنا ونهضته وتقدمه وتحوله إلى الانموذج الديمقراطي – الاجتماعي.

وانا اعرف انني اتفق – في كل ذلك- مع اخوة اعزاء في الحركة الاسلامية، واعرف وأتلمس ان هناك تياراً وطنياً ديمقراطياً داخل الحركة الاسلامية، ارى انه مطلوب منه اليوم ان يقود انتفاضة تصحيح داخل الحركة، واسترداد المبادرة السياسية وسحب البساط من تحت ارجل النزعات الاستئصالية التي قد تكبر مثل كرة الثلج، ونجد اننا، في النهاية، امام المأزق.

وهذا المأزق يتحاشاه التيار الرئيسي في «النظام»، فلا نية أبداً – في الحلقة العليا للقرار – بالتصعيد الشامل ضد الاسلام السياسي والحركة الاسلامية، ولا نية – اطلاقا – لحملة استئصالية او مجرد التفكير بحلّ «جماعة الاخوان المسلمين» او «حزب جبهة العمل الاسلاميّ». بالعكس، هناك تقدير واضح – لا لبس فيه- بان الحركة الاسلامية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع الأردني والحياة السياسية الأردنية – وليس المطلوب من الاسلاميين الأردنيين، التبعية السياسية للحكومة فالنقطة التي عليها التقاء هي استقلالية الحركة الاسلامية الأردنية واستقلالية اجندتها المعارضة عن المداخلات والتأثيرات الاقليمية «حماس وتحالفاتها» او الدولية «الولايات المتحدة ومشاريعها او – بالمقابل- «القاعدة»- ونهجها.» فاجتماع هذه المداخلات والتأثيرات في حركة سياسية أردنية كبيرة، هو، بالفعل، خطر يحيق بالوطن والكيان والدولة.. قبل ان يحيق بالنظام.

أنا مطمئن.. وأطمئن فضيلة المراقب العام للاخوان المسلمين، سالم الفلاحات، إلى ان الاجواء هي اجواء فهم وتفهم ومصالحة واستعداد لتنظيم الخلافات وتبديد المخاوف في حوار لا بد منه الان. وربما كان فضيلته- بما عرف عنه من وطنيّة وحكمة وبصيرة- قادراً على اغلاق الملفات وتجاوز الازمة.

Posted in Uncategorized.