ناهض حتّر
اضطر النائب الديمقراطي الاميركي جيمس موران الى الاستقالة من رئاسة اقليمية الحزب في فرجينيا، معتذرا عن تصريحاته التي تتهم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية بأنها
وراء مشروع الحرب على العراق. غير ان ذينك الاستقالة والاعتذار لا يعنيان ان الفكرة ليست في
محلها او انها غير متداولة بين الاميركيين. ووجاهة الفكرة تنبع من ان الحرب الاميركية في العراق
تحولت الى مغامرة، بحيث ان اصرار البيت الابيض على خوضها لم يعد ممكنا تفسيره استراتيجيا،
بل بفعل مؤامرة يهودية، وفي أحسن الاحوال بفعل هوس ايديولوجي “مسيحي”-يهودي.
لقد جاء بوش الابن الى الرئاسة الاميركية بوساطة انقلاب جرى ترتيبه في اوكار اليمين الاميركي الذي تبنى، منذ التسعينيات، عقيدة مسيحية يهودية منبوذة من قبل قداسة البابا والكنائس المسيحية التقليدية حول العالم. ويعتقد بوش الابن ان “الرب” اليهودي قد نذره لرئاسة اميركا، ولشن الحروب باسم ارادته. انه غبي ومهووس دينيا ومتحلل -مثل كل المهووسين-من كل معيار تاريخي، سواء اكان استراتيجيا او اخلاقيا.
وهذا لا يعني ان مشروع الحرب على العراق لم يكن، بالأساس، مبنيا على حسابات استراتيجية. الا ان مثل هذه الحسابات جرى تفكيكها من قبل المعارضة الدولية غير المسبوقة للإمبراطورية الاميركية التي خسرت الحرب قبل ان تبدأ. ان تدمير العراق لن يؤدي الى تحقيق الاهداف الاستراتيجية الاميركية. بالعكس، فنحن نستطيع ان نعدد قائمة بالإخفاقات التي منيت بها واشنطن بسبب التصلب الايديولوجي في معالجة تطورات الازمة حول العراق.
1-لقد تحولت الولايات المتحدة الاميركية من دولة قائدة للمجتمع الدولي الى دولة منبوذة خارج الشرعية الدولية. والاضرار المتوسطة والبعيدة المدى لهكذا تطور لا يمكن حصرها، ولا يمكن
معالجتها بالأسلحة الفتاكة التي بحوزة الجيش الأميركي
2-لقد اتاح التصلب الأميركي في مواجهة التحالف الفرنسي-الالماني، الفرصة المنتظرة لأوروبا للتفلت والشروع في عملية الاستقلال السياسي عن الولايات المتحدة. مثلما اتاح الفرصة المنتظرة لاستعادة روسيا لدورها الدولي بوصفها، على الاقل، قضبا دوليا. انها خسارة استراتيجية لا يمكن تقدير ابعادها او تعويضها
3-ان تجرد السياسة الاميركية نحو العراق من كل صدقية او شرعية، ومن كل معيار اخلاقي، اعطى للحركة المضادة للعولمة، قضية ملموسة، فأصبحت الاساس لحركة سلام عالمية جبارة تضم قوى شعبية من كل الاتجاهات والمعتقدات والاديان والمصالح والاستراتيجيات. وهذه الحركة لا تخفي عداءها للمشروع الامبراطوري الأميركي.
ان الخطط العسكرية الاميركية في العراق، لم تأخذ بحسبانها عاملين قد يؤديان الى هزيمة المشروع الاميركي في العراق وفي المنطقة. وهذان العاملان هما:
(1) المقاومة العراقية. فقد حسبت واشنطن (أ) ان النظام العراقي مفكك داخليا، و(ب) معزول دوليا مما يسهل اطاحته بوساطة هجوم مركز. وقد ظهر الان ان الفرضية الاولى غير صحيحة. فإظهار النوايا الاستعمارية الاميركية الصريحة أعاد بناء وحدة وطنية عراقية مضادة، والرفض الاميركي لكل مساومة مع النظام العراقي دفع بالأخير الى جدار مقاومة حياة او موت. المقاومة العراقية ستكون طويلة ومكلفة.
(2) ردود الفعل الشعبية عبر العالم. وهذه ستشكل ضغطا هائلا على البيت الابيض، خصوصا
مع انتقالها الى الداخل الأميركي. وذلك بالإضافة الى الضغوط السياسية الرسمية المتوقعة. وفي
السياق نفسه، من يضمن ان لا تؤدي الحرب المجنونة على العراق الى انفلات الجماهير العربية
من قيودها في حركة عميقة وطيدة، اثناء الحرب وبعدها، ربما تنتهي الى تفكيك النفوذ والوجود
الاميركي في الشرق الاوسط.
لدينا من المعطيات ما يجعلني الح على ان الأزمة الدولية حول العراق ستنتهي الى ما انتهت اليه ازمة السويس عام 56، أي باضطرار قوى العدوان الى الانسحاب من دون تحقيق اهدافها. وهو ما سيشكل هزيمة تاريخية للإمبراطورية الاميركية ومجمل نظامها في المنطقة. وانا اعترف ان لهذا الاحتمال فرصة، ولكنها غير مؤكدة مئة بالمئة، غير ان هذا ما ينطبق ايضا على المشروع الأميركي في العراق. ولذلك وصفته بأنه مغامرة.
لمصلحة من يغامر البيت الابيض؟ اليس لهوس عقائدي يتشارك فيه مع اليمين الصهيوني؟ اليس هذا ما يدفع عقولا في اسرائيل نفسها الى التفكير بان المغامرة الاميركية في العراق قد تؤذي في النهاية، اسرائيل؟