وقع في لبنان, أخيرا, ما كان منتظَرا منذ تحوّلت ‘ الثورة السورية’ إلى حرب مذهبية وطائفية; ولّعت في طرابلس بين أعداء النظام السوري من سلفيين وحريريين , وبين حلفائه من علويين وقوميين سوريين.. الخ قتال في الشوارع وبين الأحياء, وظهرت المليشيات, وسقط القتلى والجرحى برصاصها الغزير المتهيّج للقتل على الهوية.
طرابلس هي البداية فقط, فالحرب الأهلية الكامنة في طريقها إلى البقاع ثم بيروت; ونحن بانتظار الأسوأ حين ينشب القتال السني ¯ الشيعي على نطاق واسع, قتال سوف يشقّ المسيحيين أيضا, بين التيار الوطني الحر ( ميشيل عون) المصطفّ مع حزب الله الشيعي, وبين جماعات جعجع والجميّل, المصطفّة مع تيار المستقبل السنّي.
النار السورية التي توقد الشرر في لبنان, سوف تعود وتصب الزيت على الحرائق المشتعلة في البلد الأم… وهكذا نحن على أبواب جهنّم سورية لبنانية.
جهنّم العراقية لا تزال, بدورها, مشتعلة, وستتصل وتتفاعل مع اللهيب الآتي من سورية وسواحلها, لتتفجّر في تجديد مذابح مذهبية جديدة, وسيغرق الهلال الخصيب في حرب طاحنة مديدة, حرب السنّة والشيعة.
نذكّر بأن حوالي عشرين مليونا من الأتراك هم علويون في دولة يحكمها حزب سنّي بدأ مبكرا بشنّ حربه المذهبية على النظام السوري, ثم العراقي. وتتفاعل هذه المعطيات مع فرصة سانحة لتجديد الإنتفاضة الكردية ¯ التركية. تركيا هي, أيضا, على موعد مع الحروب الأهلية, إلا إذا أنقذها العسكر بانقلاب يستعيد العلمانية.
قتال شوارع, إعتقالات وخطف, تعذيب رسمي وتعذيب معارض, مذابح ومذابح مضادة, قصف ومتفجرات ومفخخات وإنتحاريون وتدمير للبنى التحتية واستنزاف إقتصادي وجوع وتهجير داخلي وخارجي … يا له من زمن أسود بانتظار منطقتنا.
في سورية الجنوبية, فلسطين والأردن, سوف ينفرد الإسرائيليون بنا; الظروف تنضج لقيام ‘الدولة اليهودية’, دولة متطابقة مع دول الإقليم.. السنية, الشيعية, المسيحية, العلوية, الدرزية. وهي خريطة لا مكان فيها للدولة الوطنية الفلسطينية بالطبع. ربما, إمارة إسلامية في غزة, منسجمة مع التطورات الإقليمية الحاصلة, ويجرى التفكير بإقامتها جديا من قبل الحكومة الحمساوية. ولن تزعل تل أبيب وواشنطن من قيامها. الفلسطينيون موعودون بالمزيد من الخنق والمضايقات والتجويع والإعتقالات والتهجير, بينما الأردنيون مهددون بفقدان دولتهم لحساب منطقة حرة للتهجير وتصدير الحقوق الفلسطينية إلى شرق النهر. وهو ما يهدد باكتمال الحروب الأهلية في الهلال الخصيب كله.
مشهد يسرّ الإمبرياليين والصهاينة, ويرتب الشرق الأوسط على المقاسات التي تلائمهم تماما, ولكنها ليست مؤامرتهم الخاصة,بل هي نتاج مجتمعات متشققة لا تزال في المرحلة الخلدونية; عصبيات ‘متعايشة’, ومن ثم, متقاتلة, في دائرة تاريخية مغلقة.
التدخّل الخليجي في الهلال الخصيب هو المسؤول رقم واحد عن الجحيم القائم والقادم في العراق وبلاد الشام; فمنذ أكثر من سنة, والخليج يحشد قدراته المالية الهائلة ونفوذه وسلفييه وجهادييه وفقاءه وسلاحه وفضائياته, وراء إشعال الحروب فيما وراء الصحراء, علّ الصحراء تنجو, بنفطها وأنظمتها ونمط حياتها القروسطي ¯ الإستهلاكي, من عصف الموجات الثورية في العالم العربي من جهة, وعصف القوة الإيرانية الزاحفة من جهة أخرى.
لكن في الخليج, من خاصرته البحرينية إلى امتداده اليمني, هناك, أيضا, لوحة مذهبية معقدة من السنّة والسنّة الوهابية والشيعة و الإباضيّة والزيديّة.. الخ ومجاميع المهمّشين والمعدمين والبدون.. الخ وفي هذه اللوحة, عناصر ظاهرة وكامنة للإحتراب الأهلي, لن تتفاداه صيغ إتحادية مفبركة ولا الحماية الأمريكية; فالحروب الأهلية لها قانون داخلي فاعل بغض النظر عن الصيغ السياسية والأمنية.
إننا أمةٌ تنتحر…
العرب اليوم