حققت ‘ الهيئة المستقلة للانتخابات’، نجاحا فنيا باهرا مع الإقفال المتوقع على أكثر من مليوني ناخب، جرى تسجيلهم بشروط متشددة غير مسبوقة من حيث التدقيق ومكان الإقامة ومنع التكرار والتقيد بالقانون لجهة عدم تسجيل العسكريين وحصر المعاملات بالشخص وعائلته واصدار بطاقات انتخابية مضمونة ضد التزوير أو الاستنساخ واشتراط تحديد مركز الاقتراع الخ…
كان بإمكان ‘ الهيئة’ أن تحقق نجاحا سهلا ضد المقاطعة، من خلال تجاوز عملية التسجيل، وتدقيق الجداول السابقة، لكن حجم التزوير والتلاعب الذي شاب جداول انتخابات 2007 و2010، جعل استخدامها مشبوها مهما كان تدقيقها جيدا، وفرض التصدي لمهمة انتاج جداول ناخبين جديدة مدققة كمقدمة لا بد منها لانتخابات نزيهة، بحيث يمكننا القول إن 90 بالمئة من وسائل التزوير التقليدية قد تم إعدامها. لكن ذلك لا يعني أننا لن نفاجَأ بوسائل جديدة. فالتزوير ثقافة وممارسة راسخة لا بد من مقاومتها أولا بأوّل.
الاحتياطات المتعددة ضد التزوير، وأهمّها الجدية التي تكتسبها إدارة العملية الانتخابية، دفعت بالمال السياسي إلى صدارة المشهد، وألزمت طبقة الحكام التقليدية إلى الشروع في بناء تحالفات النفوذ لمنع التغيير في البلاد وإعادة انتاج النخبة القديمة، والحيلولة دون بروز نخبة وطنية جديدة، تمثل المجتمعات المحلية والشعب الأردني، مطلبيا وسياسيا.
هذا هو التحدي الصعب الذي سيواجهه النشطاء الشباب والمناضلون والمثقفون، المطلوب منهم خوض معركة شرسة مع صناديق المال المكتظة المتحركة ومع تحالفات العتاة من شبكات المصالح الكبرى. ومما يزيد الطين بلّة، أن الحركة الشعبية لا تملك إزاء المال والتحالفات السوداء، سوى نشطائها الذين، بسبب ضغوط عديدة منها الفشل في تحقيق مطالب الحراك وإجراءات حكومة فايز الطراونة والاعتقالات، باتوا ميّالين إلى الانكفاء عن العملية الانتخابية.
كيف يمكنني الترشّح للانتخابات ورفاقي في السجون؟ وكيف يمكنني أن أنافس أساطين المال والنفوذ برغيف الخبز والفكرة بينما تطاردني الأشباح ؟ نجح التسجيل وستنجح الانتخابات فنيا، لكن القسم الأكثر حيوية في المجتمع الأردني لن تكون لديه القدرات على المنافسة. وهو ما يدفعنا للبحث، توا، في شروط النجاح السياسي للعملية الانتخابية.
أولا، لا بد من رئيس وزراء وازن ومتزن ومقبول وحكومة محترمة لإجراء الانتخابات. والبحث، هنا، عن فرصة لرئيس جديد من الصف الثاني في بيروقراطية الدولة، ولكنه من الصف الأول في الحضور الاجتماعي والسياسي.
ثانيا، التراجع عن القرارات غير المسؤولة لحكومة الطراونة ، وخصوصا الجنسيات والتعيينات الاستنسابية والمثيرة للريبة ، واطلاق سراح كافة معتقلي الحراك الشعبي من دون تأخير، ووقف التدخلات في الحركة الشعبية ووقف محاصرتها والتضييق عليها.
ثالثا، التشدد الأمني والقضائي مع المال السياسي، بما في ذلك الاعتقال والتحقيق مع المشتبهين، وتحديد سقف النفقات والدعاية.
رابعا، منع تدخل المسؤولين على كافة المستويات في العملية الانتخابية والترشيحات الخ نهائيا.
أما المطلوب شعبيا، فهو إقدام الحراك الشعبي على خوض المعركة الانتخابية بوصفها، بالدرجة الأولى، معركة سياسية، يتم خلالها بلورة مطالب الحراك، وتظهير قياداته، وتشبيك عناصره ولجانه، والتحوّل الذاتي إلى قوة سياسية تمثل الشعب الأردني، داخل البرلمان وخارجه، وتتابع مطالبه وتتبنى طموحاته، وتتحدث باسمه، محليا وعربيا وإقليميا ودوليا.
أنتج الحراك الشعبي الأردني، خلال العامين الماضيين، شبكة من النشطاء تشكل أكبر قوة سياسية كامنة في البلاد. وعلى هذه الشبكة أن تتحد وتشن هجوما معاكسا على قوى الفساد والاستبداد، تلك التي تسعى اليوم لإعادة انتاج حكمها برلمانيا.
العرب اليوم