إعادة بناء «الحزب الليبرالي»!

العرب اليوم

ناهض حتّر
الاتجاه الليبرالي حديث العهد في بلادنا، ولم يكن له حزب سياسي خاص، اي ان ليبراليين عديدين تمكنوا منذ اواسط التسعينيات، من الحصول على مواقع قيادية في اجهزة الدولة والاحزاب والهيئات الاجتماعية والصحافة، ويشكل هؤلاء الآن، شبكة قوية مترابطة ربما كانت هي «اللوبي» الذي يصنع القرار الوطني في ظل حكومة المهندس علي ابو الراغب.
التناقض الرئيسي الذي يحكم الليبرالية الاردنية كونها ليبرالية اقتصادية واجتماعية، ولكنها ليست ابدا، ليبرالية فكرية وسياسية، واساس هذا التناقض، في رأيي، ان البرنامج الليبرالي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي يتعارض مع مصالح وتوجهات الاغلبية الوطنية بحيث ان الليبراليين يشعرون، عن حق، ان برنامجهم لن يمشي الا بالوسائل القسرية.
ولذلك، فقد كانوا القوة الدافعة وراء تعطيل الحياة النيابية وخنق الاحزاب والنقابات والصحافة منذ اواخر العام 2000، وخصوصا منذ خريف 2001 حيث اعطتهم احداث 11 ايلول، وما تلاها من انقلاب السياسة الاميركية، نهائيا، ضد الليبرالية السياسية والفكرية، الفرصة للقيام بالشيء نفسه في الداخل.
فماذا يريد الليبراليون؟!
اولا-اعتماد «الخصخصة» عقيدة رسمية للدولة الاردنية، وهذا لا يعني مجرد خصخصة القطاع العام القائم في ضوء معايير فنية، بل الالغاء التام لدور الدولة الاقتصادي-الاجتماعي، واعتماد مبدأ حرية السوق كأساس لمجمل العملية الاقتصادية المحلية، من دون اعتبار للاحتياجات التنموية الوطنية او لمصالح المجتمع او مستوى معيشة الاغلبية.
ثانيا -وفي هذا السياق، سعى الليبراليون ويسعون، الى اعادة هيكلة القوانين الاردنية والاجراءات الحكومية ومؤسسات الدولة لخدمة الخصخصة.
ثالثا -الانفكاك من التقاليد المحلية التي تعرقل اللبرلة الاقتصادية، ما يتطلب تفكيك البنى العشائرية وتحرير قوة العمل النسائية، وتفكيك سيطرة القوى التقليدية على النقابات المهنية والهيئات الاجتماعية الاخرى وتحرير اموالها.
وممالا شك فيه، ان بعضا من توجهات اللبرلة الاجتماعية له طابع تقدمي، وخصوصا في مجالات المرأة وتحديث التعليم والسماح بتطور اساليب حياتية مدينية الخ -الا ان الخصومة العامة بين الليبرالية وبين مجمل التقاليد والثقافة الوطنية (والسعي الى تفكيك الاخيرة بوسائل ادارية وقسرية) تشير الى صراحة، الى المضمون غير المحلي لليبرالية الاردنية.
هل يحتاج بلدنا الى قيام حزب ليبرالي؟!
– نعم! على ان يقدم هذا الحزب نفسه في اطار سياسي، لا في اطار شبكة مصالح ونفوذ، وهو ما يتطلب توضيح واعلان اسس منهجية ليبرالية كالتالي:
اولا -عدم الفصل بين الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية والليبرالية السياسية والفكرية، فالحزب الليبرالي ينبغي له ان يكون القوة المقاتلة دفاعا عن الحريات والاساليب الديمقراطية في اتخاذ القرار الوطني، بل ينبغي للحزب الليبرالي ان يكون الاكثر حساسية في نقد الاساليب القسرية والادارية.
ثانيا -واذا كان من حق الحزب الليبرالي ان يسعى الى تطوير حرية السوق، فالمطلوب منه الا يتناقض مع نفسه، ويحول حرية السوق الى عقيدة رسمية للدولة فهذه توليتارية وليست ليبرالية!
ثالثا-لا تستطيع الليبرالية ان تتجذر في بلادنا، من دون الارتباط مع الاحتياجات الوطنية والثقافة الوطنية، وهذا الارتباط ليس له طابع واحد، فربما كان ارتباطا نقديا، ساعيا الى تطوير التقاليد الوطنية من داخلها، واما القطيعة مع هذه التقاليد بل والسعي الي تفكيكها قسريا، فسيؤدي في النهاية الى تصلبها وتخلفها تحت ضغوط الدفاع ضد الالغاء.
نحن نقترح اذن قيام حزب علني لاتجاه ليبرالي متماسك يدافع عن الحرية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية معا، في اطار منهجية واضحة متجذرة ولو نقديا في التقاليد الوطنية فهل هذا ممكن؟!
انه سؤال مشروع طالما اننا نواجه في الواقع ليبرالية انتقائية تميل الى الوسائل القسرية وهنا نلاحظ ما يلي:
1- ان تحرير قوة العمل بما في ذلك النسائية من القيود الاجتماعية والثقافية التقليدية، لن يكون ذا جدوى اقتصادية واجتماعية وطنية الا في اطار مشروع تنموي وطني وبغير ذلك، فاننا بصدد انشاء قوة عمل احتياطية ورخيصة وغير محمية قانونيا او اجتماعيا لمصلحة رجال الاعمال.
2- ان اقصاء الدولة عن العملية الاقتصادية يشكل في النهاية تفكيكا نهائيا لحلقة التنمية الوطنية، بل وللدورة الاقتصادية المحلية نفسها، فبغياب الدولة هنا يغيب الوسيط بين الرأسمال والمجتمع وهو ما يعني:
أ‌- استمالة حشد الرأسمال الكافي للقيام بمشاريع تنموية اساسية تتطلب استثمارات ضخمة ولها مردود آجل.
ب‌- اضعاف القوة الشرائية المحلية وتاليا اضعاف السوق المحلية وصولا الى الركود الهيكلي فاعادة توزيع الثروة بوساطة الدولة هو الذي يجدد ويضاعف القدرة الشرائية والطلب الاجمالي.
3- ان البرنامج الليبرالي الاقتصادي لا يقترح افقا للخلاص من المديونية والحاجة المستمرة المتفاقمة الى الاقتراض، وبالتالي فهو لا يقترح تحرير الاقتصاد الوطني من هيمنة المؤسسات المالية الدولية بوصفاتها المعادية للتنمية الوطنية، من حيث هي تركز على اولوية مقتضيات السداد.
4- ان اي مشروع وطني يحتاج الى تحشيد كل القوى الاجتماعية الوطنية ومساهماتها الفاعلة تعويضا عن ضعف الرأسمال وذلك التحشيد لا يمكن انجازه بوسائل قسرية، ولكن بالاقناع وبالاساليب الديمقراطية.
***
ان خطة الليبرالية الاقتصادية تحتاج الى تعديلات جوهرية، لكي تتواءم مع المصالح والاحتياجات الوطنية ولكن هذه التعديلات سوف تصطدم مع شبكة مصالح واحتياجات الليبراليين الذين يفضلون في الحالة هذه التضامن في شبكة نفوذ، بديلا عن الحزب السياسي ومع ذلك -بل قل بسبب ذلك -فاننا نطالب الليبراليين بالتحزب علنا، وبلورة برنامج سياسي-اجتماعي واضح.0

Posted in Uncategorized.