من المعارضة إلى السلطة، يتغير الخطاب وتتغير الممارسة؛ ينطبق ذلك على كل الأحزاب السياسية، لكن حجم ونوعية التغيير الذي ذهب إليه الإخوان المسلمون في مصر، بعد شهور معدودة، من تمكنهم الالتفافي من منصب رئيس الجمهورية، مفاجئ لأكثر المراقبين تشاؤما، ومحرج للفروع الإخوانية التي لا تزال في المعارضة.
استولى ‘الإخوان’ المصريون على الإدارة، وشنوا حملات تعريض، واتخذوا إجراءات تهديم ضد كل مؤسسات الدولة المصرية؛ المؤسسة العسكرية والأمنية، وأحلّوا محلها ميليشياتهم، تتحكم بالجمهور وتروعه وتمارس البلطجة ضد المعارضة، وشطبوا، بجرة قلم، استقلال القضاء، وسيطروا على المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة، ويقومون بحملة مكارثية ضد الإعلام المستقل، وانفردوا مع حلفائهم السلفيين بكتابة دستور معاد للكادحين والمرأة والمختلفين دينيا أو سياسيا، ويسعون إلى فرضه بالتزوير والعنف.
يمنح الدستور الإخواني، رئيس الجمهورية، صلاحيات واسعة وتفصيلية وغير مقيدة، وتتجاوز على السلطتين التشريعية والقضائية. وهو ما يعني أنهم قرروا أن يحوزوا المنصب الرئاسي بقوة الإدارة والعنف والتزوير والمال الانتخابي، إلى أجل غير مسمى.
وقوّض الدستور الإخواني، استقلال القضاء، ودمر، خصوصا، استقلالية وصلاحيات المحكمة الدستورية العليا. وهو ما يدلنا على نوعية الحكم الذي يريدون إقامته في مصر خارج سيادة القانون.
وبالإضافة إلى إنشائية وتضارب المواد الدستورية المتعلقة بالحريات العامة، مما يجعل انتاجيتها صفرا، فإنهم فرضوا سلطة الحكم على ‘ الأخلاق والنظام العام’. وهو ما يعني إنشاء سلطة شبيهة بـ ‘ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر’، والاستحواذ على الحق في التدخل في حياة المواطنين الشخصية، وإقامة نظام إرهابي معزز بالمليشيات الإخوانية والسلفية.
وحط ‘الإخوان’ من وضع المرأة، دستوريا، واعتبروها مجرد أم وزوجة، لا مواطنة، وجردوا العمال والفلاحين، من حقوقهم المصانة منذ العهد الناصري والتي لم يجرؤ السادات أو مبارك على شطبها،وحوّلوا الرعاية الصحية من حق للمواطن إلى مكرمة تقدم لغير القادرين،وتجاهلوا، كليا، النص على ضريبة الدخل التصاعدية ، وأي إطار يكفل إعادة توزيع الثروة، بينما عززوا سيطرة رجال الأعمال والشركات.
ولن نسترسل أكثر؛ فالنص الذي كتبه ‘ الإخوان’ على أنه دستور، خلا من اللغة الدستورية المحكمة، وتضاربت مواده بحيث تسلب بالشمال ما تمنحه باليمين، وبحيث تحصل السلطة الإخوانية على ما تريده من كشكول مواد تسعفها باتخاذ ما تريده من قوانين وسياسات وإجراءات.
تحاصر مليشيا إخوانية منذ أسبوعين، مقر المحكمة الدستورية العليا، وتمنع انعقادها بالقوة المادية، بينما تحاصر مليشيا سلفية، المدينة الإعلامية، وتتهدد الإعلاميين المستقلين. وهو نموذج لما يمكن أن تمارسه القوى الإخوانية والسلفية، بحق الهيئات المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية المعارضة، عداك عن تهديدها للأقباط واستدراجها مقدمات الحرب الأهلية.
كل ذلك يحدث في مصر الآن، ويحظى بالدفاع الحار من قبل إخوان الأردن، وبالصمت من قبل حلفائهم، ولكنه يطرح الأسئلة حول مجمل خطابهم السياسي؛ فأي معنى لمعارضتهم وادي عربة وإخوتهم المصريون يبصمون على كامب ديفيد ويطورون التنسيق الأمني والسياسي مع العدو الإسرائيلي؟ وأي معنى لمطالبهم بالإصلاح الدستوري هنا بينما السلطة الاخوانية المصرية تفرض دستورا قاراقوشيا؟ وأي معنى لتعريضهم بفرض نظام انتخابي ومواعيد انتخابية غير متفق عليها وطنيا، بينما رئيس مصر الإخواني يقرر استفتاء عاجلا على دستور بلا توافق، وفي ظل غياب القضاء وحضور المليشيات وارتكاب أفظع جرائم التزوير؟
العرب اليوم