ناهض حتّر
ضغوط اللحظات الأخيرة. بدأت تثمر في تقديم انجاز نيابي ما للحكومة، ولو في الحد الأدنى في اقرار قوانين ثانوية.. لكن، في المحصلة، أثبت المجلس النيابي الحالي، مرة أخرى، أنه يتمتع بقدر معقول من الاستقلالية والعناد، وأنه ليس مضموناً للارادة الحكومية.
هناك تفسيرات عديدة للعناد النيابي ذاك. لكنها، في رأيي، هامشية، طالما ان النتيجة ايجابية سياسياً، من حيث انها تؤكد قوة البرلمان، والآليات الدستورية القادرة، في ظل حياة نيابية ديناميكية وفعالة، على ضبط التجاوزات السلطوية للاقليات النخبوية التي تسيطر على الادارة، وترغب باستلحاق السلطة التشريعية، وتجاوز المعايير الدستورية.
لكن، بالطبع، تبقى هناك قضية الانجاز النيابي للتشريعات المتراكمة، ومعالجة القوانين الاستثنائية الكثيرة، بصورة مهنية ودستورية، وعلى أساس التوازن الاجتماعي – السياسي بين المصالح المتضاربة. وهذا بالاضافة الى المهمات الرقابية، والتمثيل السياسي للاتجاهات والأفكار والرؤى التي تمور في المجتمع.
ان العيب الاساسي وراء عجز البرلمان عن القيام بكل هذه الواجبات بصورة واعية ومتزنة ومهنية، يكمن في قصر مدد انعقاد المجلس النيابي الذي يلتئم في دورة عادية مدتها اربعة اشهر، ودورة استثنائية مدتها شهران. واذا ما احتسبنا الجلسات الفارطة، والمماحكات الخ فمتوسط انعقاد المجلس النيابي لا تزيد، خلال السنة، عن خمسة اشهر او اقل، في الدورتين، العادية والاستثنائية.
في دستور 1952 كانت مدة الدورة العادية هي ستة اشهر. وحين نضيف إليها الدورة الاستثنائية لشهرين، فنحن نتحدث، إذن، عن انعقاد نيابي لمدة ثمانية اشهر في السنة. وقد كان ذلك عندما لم تكن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، معقدة ومتنوعة مثلما هي الآن.
في ظروف معينة – بعد ال¯ 67 – جرى تخفيض الدورة العادية الى اربعة اشهر فقط. وقد زالت هذه الظروف الخاصة بوضع نواب الضفة الغربية. وقيام الاحكام العرفية التي كانت تمنح الحكومات حق التشريع، بينما تطورت الحياة الاردنية في كل المجالات، من دون إعادة تعديل المادة الدستورية، لكي تعود الى اصلها، وتسمح بانعقاد الدورة العادية لمدة ستة أشهر، بل انني أرى ان المستجدات تفرض زيادة المدة الى ثمانية اشهر، من دون ان تنتهي الحاجة الى الدورة الاستثنائية ايضاً.
هناك من يلاحظ أن الرغبة الحكومية هي في تقصير مدد انعقاد المجلس النيابي، استبعاداً للرقابة النيابية او السجالات السياسية او حتى تمكين الحكومات من اصدار قوانين استثنائية. وربما كانت هذه الملاحظة صحيحة ولكن على الحكومات، عندها، الا تشكو من تدني الانتاجية النيابية، اللهم إلا اذا كان المقصود هو الابقاء على البرلمان كهيئة شكلية تابعة مهمتها الموافقة السريعة – من دون تمحيص او نقاش او مراجعة – للقوانين الجاهزة الآتية من السلطة التنفيذية، التي تطبخها، عادة، اقلية تريد فرض ارادتها على الدولة والمجتمع من دون قيود دستورية.
يمكننا ان ننظر، بالتالي، الى الضعف القانوني للتشريعات الآتية من الحكومة، وعدم الاستعداد الكافي من قبل الوزراء المعنيين للدفاع عن التشريعات التي تخص وزاراتهم، من زاويتين: انعدام او ضعف الكفاءة المهنية وروح المسؤولية… او من زاوية عدم الاهتمام بالمجلس النيابي، واعتبار موافقته على الترتيبات المعدة في الكواليس، «تحصيل حاصل».
وقد اثبت البرلمان الحالي، مرة بعد مرة – وان يكن جزئياً – ان هذه المقاربة الحكومية – بشقيها – تصطدم بالجدار، وتنتهي الى تدني الانجاز.
تطور الدولة الاردنية لا يحتمل هذه اللعبة. وحجم ونوعية التشريعات والرقابة والنقاشات المطلوبة في هذه المرحلة، تحتاج، بالفعل، الى ما يلي:
«1» زيادة مدة انعقاد الدورة النيابية العادية بصورة كافية، وتعضيد المجلس النيابي بالخبراء والدارسين في كل المجالات.
«2» تحسين مستوى التشريعات، ورفع سوية أداء الوزراء على المستوى المهني والسياسي، وتدريبهم على التفاعل مع النواب وقادة الرأي.
«3» اهتمام الحكومات – عند وضع التشريعات – بتحقيق التوازنات الاجتماعية والسياسية، والاخذ بآراء وملاحظات قادة الرأي، واجراء مناقشات عميقة مع ذوي الشأن والخبراء، قبل الشروع في اعداد التشريعات.