أطلقوا سراح معتقلي الحراك فورا

لا توجد أطر سياسية وأمنية، تفسر اعتقال نشطاء الحراك الشعبي؛ ذلك أن موازين القوى المستجدة منذ العام 2010 لم تعد تسمح بمنع التعبيرات السياسية الجماهيرية، خصوصا وأن أيا من الحراكات الشعبية لم يتجاوز الحدود الدستورية في مطالبه الفعلية، كذلك، فإن أيا من النشطاء لم يمتشق السلاح. على هذه الخلفية، تبدو الاعتقالات بلا هدف سياسي سوى تقديم خدمة مجانية للإخوان المسلمين وحلفائهم، وللتحريض على الفوضى وإفشال العملية السياسية والانتخابات التي لا يمكن للمعارضة الوطنية خوضها وهناك سجين رأي واحد.
المبرر الرسمي الوحيد للاعتقالات، كما هو معروف، هو معاقبة أولئك الذين يمارسون الهجوم اللفظي على شخص الملك وعائلته. وقد أبدينا، أكثر من مرة، رفضنا لهذا الأسلوب في الممارسة الشعبية، لكن التعامل السياسي مع هذه الظاهرة، منذ خريف 2011، كان مقترحا وممكنا من خلال لقاءات وحوارات مع قيادات الحراك الشعبي، وقد جرت بالفعل ترتيبات في هذا السبيل، أحبطها أولئك المغرورون المعزولون عن المجتمع في الديوان الملكي. وفي اعتقادي أن الفرصة لم تفت بعد؛ فلا الحراكات في وارد _ أو يمكنها واقعيا تبني برنامج لإسقاط النظام، ولا النظام بات قادرا على تجاهل الحراكات. وفي ظل هذا الستاتيكو لا بديل عن الحوار؛ لا عنفا لفظيا ولا اعتقالات.
من الناحية الأمنية الصرف، فإن اعتقال عشرات النشطاء يعني الدفع برفاقهم وجمهورهم وأسرهم وعشائرهم إلى صفوف الإخوان وحلفائهم. كذلك، فإن حالات التعذيب والعنف الأدبي والجسدي مع المعتقلين، ستؤدي إلى تراكم أحقاد لا يمكن، بعدها، التعامل مع نتائجها اللاحقة.
إن أي مواطن حر وشريف لا يمكنه إلا المقارنة بين النزعة إلى الاعتقالات السياسية ، واستخدام العنف ضد نشطاء الحراك الشعبي، وبين التباطؤ القانوني والحرص الشديد على مشاعر الفاسدين وطيّ ملفات الفساد.
تتعرض الدولة الأردنية، اليوم، لمخاطر وجودية هي التي تدفع بالوطنيين الأردنيين إلى توخي الحذر والبحث عن تفاهمات لتجاوز المرحلة الخطرة المقبلة، لكننا، حتى اللحظة، نواجه تشتتا في مراكز القرار واستمرارا في تسيير البلد وفق الأجندات الشخصية ووفق استشارات أقل ما يقال فيها إنها ساذجة.
في البلد قوتان سياسيتان: الحراك الشعبي وحلفاؤه والإخوان وحلفاؤهم. وإذا كان لدى أحد طموح بنجاح الصدام مع القوتين معا، والعودة بالبلاد إلى ظروف ما قبل 2010، فهو واهم تماما. والوهم سلاح انتحاري.
ينبغي، أولا، مركزة القرار على مستوى النظام، ومن ثم مواجهة الحقيقة، والاختيار بين بديلين لا ثالث لهما: التفاهم مع الإخوان على صفقة تفضي إلى مشاركتهم في الحكم، أو التفاهم مع الحراك الشعبي على استئصال الفاسدين وتصفية ملفات الفساد ومراجعة الخصخصة، وتنمية المحافظات بعقول وسواعد أبنائها.
بخلاف ذلك، سوف ينتهي الستاتيكو القائم بتحالف الحراك الشعبي والإخوان، وما ينتج عنه قوة من غير الممكن مجابهتها. والمشكلة، هنا، أن أجندة الإخوان إقليمية وليست وطنية، والمآل هو الفوضى وليس التجديد.

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.