أسئلة على مائدة “المرور” بمناسبة حملة جباية
ناهض حتّر
الأهم من “القانون”… هو ممارسة شرطة المرور.
وربما كان من الضروري أن ننتبه إلى أن شرطة المرور هي الجهاز الأكثر تعاملاً مع المواطنين من بين أجهزة الدولة المدنية أو الشرطية، بل ربما كان هو الممثل الشرعي والوحيد “للدولة” عند عدد كبير من المواطنين الصالحين. ولذلك، فإن ممارسة شرطة المرور، كجهاز وأفراد، ذات أهمية كبرى في تشكيل صورة الدولة في الوعي العام. وفي هذه الحلقة من الاتصال بين الدولة والمواطنين، بالذات، توجد مشكلة حقيقية.
***
شرطي السير الأردني، بلا شك، مهذب ونزيه، بيد أن الحملات المرورية التي ينفذها ذلك الشرطي، ربما رغماً عنه وبدون اقتناع، ليست كذلك. والمحصلة أن الأزمات المرورية تتزايد، والمخالفات المؤذية تتصاعد، وينحط الذوق العام في القيادة التي لم تعد-كما كانت-فناً وذوقاً والتزاماً، وفي النهاية، هناك تلك الحصيلة المروعة من حوادث الطرق المؤسفة التي يقع بعضها مستهترون تعجز شرطة المرور عن ردعهم، بينما تنصب الكمائن لعباد الله المسالمين، تنفيذاً لحملة… تبدو للمواطن-وهي كذلك-جبائية وانتقامية وعثمانية الهوى.
***
منذ أسبوعين، ونحن نعيش “رعب” الحملة المرورية لإجبار المواطنين على استخدام أحزمة الأمان. فجأة، تنتصب الكمائن في نواحي الشوارع، ويبدأ اصطياد السائقين الأكثر احتراماً، والأكثر تقيداً بالسرعات، والمهذبين… ومخالفتهم على طريقة العقاب العشوائي، بينما يفلت بالطبع مجانين السرعة من الحملة، ويغض الشرطي المسكين النظر عن مخالف تبدو عليه سيماء الشر والعدوان! وتظهر صورة “الدولة” هنا، للمواطن الصالح، قوة عارية من المنطق والعدالة! والنتيجة هي مزيد من النفور العام من شرطة المرور، ومزيد من الإحساس بالغبن، ومزيد من الانفلات يمارسه الطائشون والمسرعون والعدوانيون… فخلال حملة أحزمة الأمان، يمكنك قطع الإشارة، وهي حمراء!؟
***
الحملة ستنتهي قريباً.
وبعدها سيتراخى المواطنون في استخدام أحزمة الأمان، ثم ينسون استخدامها، وبما أن الحملة تكون قد انتهت، فإن شرطة المرور، لن تخالف الذين لا يستخدمونها. وستحصل الخزينة على أموال المخالفات، وسيكون هذا هو الهدف الوحيد الذي جرى تحقيقه. فبهذه الطريقة الانتقامية والعشوائية والجبائية، لن تتأسس ثقافة مرورية، ولن يكون هناك تحسب لردع عقلاني.
***
أليست هناك طريقة أخرى للحملة المرورية؟
نعم!
- تبدأ الحملة، أولاً، إعلامية تثقيفية في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمدارس والجامعات. ويقوم شرطة المرور، أثناء ذلك، بتوزيع بروشورات توضح أهمية استخدام أحزمة الأمان، والعقوبة القانونية المنصوص عليها للمخالفين، وتاريخ البدء بإيقاع تلك المخالفات.
- وفي الجزء التالي من الحملة، تقوم شرطة المرور، بالطلب من السائقين المخالفين لصق “ستكرز” يذكر السائق باستخدام حزام الأمان، ويذكره بالعقوبة….
- وفي الجزء الثالث والأخير، يبدأ تسجيل المخالفات.
بهذه الطريقة التثقيفية الحضارية، سوف نصل، حتماً، إلى زيادة مضطردة في عدد مستخدمي أحزمة الأمان، وإلى نمط جديد مختلف في طبيعة العلاقة بين شرطة المرور والمواطنين، وأخيراً، إلى تعزيز صورة “الدولة”… باعتبارها عقلاً وإطاراً تعاقدياً… لا بوصفها “كمائن” في المنحنيات.
***
الأهم من “القانون” هو ممارسة شرطة المرور.
والأهم من التهذيب…هو العقلانية.
يقول لك شرطي المرور بـأدب، “إنني عسكري” أي انني أنفذ الأوامر بدون نقاش! والعلة هي بالطبع في “الأوامر” وليس في “العسكري”… ويكاد المرء يصدق “الروايات” التي تقول إن إدارة المرور تطلب من منتسبيها “كذا” ديناراً في اليوم؛ وإلّا فما معنى أن يتركك شرطيّ السير، مرة، في مخالفة صعبة -ثم يوقفك، مرة، ليفتش عن مخالفة… فإذا لم يجدها تعذر بأن اللون الأسود في لوحة الأرقام، باهت… تستحق، إذن، المخالفة.
***
وإذا كان لدينا كل هؤلاء الشرطة، وكل هذه المخالفات… فما هو السرّ في استشراء القيادة الجنونية المستهترة، وفي تعاظم الخسائر البشرية جراء حوادث المرور؟
***
وإذا كنّا نعلم أن الشرطي إنسان يتحسب من “المدعومين” و “الأشرار” و”العدوانيين” فهل يبقى هؤلاء يصولون ويجولون على هواهم، بينما تبلي شرطة المرور، البلاء الحسن في… المواطنين الصالحين!
***
وإذا كنّا أهدرنا كل تلك الأموال الطائلة على حساب حل الاختناقات المرورية، ثم وجدنا أنفسنا، بعد هذا الكم من الإنفاق والجور، في عنق الزجاجة… فهل لدينا، بالأساس، استراتيجية في هذا الميدان الحياتي المهم؟
***
ثم… وبعد كل هذا الفشل العميم… هل يكون مجدياً استمرار “الحملات” المرورية… التي ليس لها أي مضمون… سوى الجباية؟