أسئلة بخصوص السيادة ؟

من المعتاد، في إطار العلاقات العسكرية الاعتيادية بين الدول، أن يتم تبادل الوفود وإجراء التدريبات والمناورات الخ، على أن تكون كلها مؤقتة وغير قتالية وغير مرتبطة بعمليات فعلية، عسكرية أو لوجستية، تتعلق بالقتال أو بالاستعداد للقتال مع أو في دولة ثالثة.
وهذا هو مضمون الإيضاح الذي قدمته الحكومة الأردنية حول تصريح وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، القائل إن 150 عسكريا أمريكيا موجودون الآن في شمالي الأردن. لكن بانيتا حدد واجبات لتلك القوات مرتبطة بالتحضير للتدخل في سورية في ظروف معينة للسيطرة على الأسلحة الكيماوية. وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول هذا الخرق الدستوري والسيادي.

وأمس، نقلت وكالة الأنباء الألمانية، عن مصادر أردنية وغربية، ‘إن بريطانيا وكندا وفرنسا أرسلت مستشارين عسكريين ومعدات إلى الأردن للمساعدة في منع امتداد الصراع السوري عبر الحدود’، وقدرت الوكالة عدد هؤلاء بحوالي ألف عسكري.

وفيما يبدو أنه اختراق إعلامي للانضباط، أخبر ضابط أردني غير مخوّل بالحديث( أطلق على نفسه اسما حركيا هو أبو محمد) بأننا ‘ نعمل بشكل وثيق مع الأمريكيين على الملف السوري منذ أكثر من عام’ وأوضح أن ‘ جزءا من هذا التعاون يتمثل في عمليات ميدانية مشتركة، منها مراقبة المواقع العسكرية السورية’.

وقد نشر تقرير الوكالة الألمانية في موقع ‘ عمون’ الإخباري، واطلع عليه الكثير من الأردنيين الذين علّق بعضهم بالقول على الموقع نفسه، ساخرين من ‘ النفي’ الحكومي المتوقع.

المسؤولون الغربيون ووكالات الأنباء يقدمون المعلومات حول الوجود العسكري الأجنبي ومهماته، بوضوح كامل. وهو ما يحرج الحكومة والصحافة الأردنية ويثير القلق لدى المواطنين، ويطرح الأسئلة التالية:

ـ لمَاذا لا تعلن الجهات الحكومية المعنية، المعلومات الكاملة بشأن وجود القوات الأجنبية ومهامها في البلاد؟

ـ ولمَاذا تقدّم، عند الاضطرار، معلومات ناقصة أو مغلوطة؟

ـ ولماذا يلح السياسيون والإعلاميون الغربيون على كشف المستور، وكأنهم يتعمدون إحراج الجهات الرسمية الأردنية؟ وما هو السر وراء ذلك؟ أيتضمن نوعا من ممارسة الضغوط على عمّان؟ ولماذا؟

ينبغي الاعتراف، بصراحة، إن الموقف الرسمي الأردني إزاء الأزمة السورية، اتسم، وما يزال يتسم بالحيادية والعقلانية. ولا يمكن مقارنته بالمواقف التدخلية السافرة لتركيا ولبنان، كمركزيّ تجميع وتهريب المسلحين والسلاح إلى سورية. إلا أن وجود 250 مقاتلا من التيار السلفي الجهادي الذي تحوّل، مؤخرا، إلى منظمة علنية لا يتردد قادتها بالإعلان الصريح حول مشاركتهم بالقتال ضد سورية. فهل هناك ضوء أخضر يصدر عن مكان ما للسلفيين الجهاديين يطمئنهم إزاء المطاردة الأمنية؟

وجود قوات أجنبية لمدد طويلة، وفي وضع قتالي في البلاد، يشكل خرقا دستوريا صريحا ومساسا بالسيادة الوطنية، ليس مقبولا ولا مبررا. والمسألة هنا لا تتعلق بالشؤون العسكرية الفنية، وإنما بالكرامة الوطنية.

لا أظن أن قواتنا المسلحة تحتاج، بالفعل، إلى مساندة ألف عسكري أجنبي، فما هو السبب الحقيقي لوجودهم على أرضنا؟ أيشكلون قوة استخبارية أم رأس جسر لتدخل واسع؟

لا توجد مؤشرات على توقع مثل ذلك التدخل في المدى المنظور، وقد تتم التسوية الدولية بشأن سورية قبل أن تنشأ الظروف المطلوبة للتدخل الذي يعدّ، بلا شك، أسوأ سيناريو يمكن تخيّله لأنه لا مجال لتدخل جراحي ومحدود في اللهيب السوري، بحيث قد تقود الخطط التدخلية ، ورطة لا أحد يعرف كيف تنتهي.

على الجهات الرسمية أن تبادر إلى توضيح الموقف وحدوده وتقديم التزام صريح بعدم التورّط في سورية.

وقبل ذلك وبعده، الإجابة على السؤال الرئيسي حول ما إذا كان الوجود العسكري الأجنبي يقع في دائرة التدريبات المؤقتة أم أنه يشكّل خرقا للدستور والسيادة الوطنية ؟

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.