يعرف الإخوان المسلمون، بكل أجنحتهم، أن فشل عملية الإصلاح السياسي في بلدنا يعود إلى انشقاق الحركة الشعبية بين الوطنيين وحلفائهم و’الإخوان’ وحلفائهم، حول عدة مسائل أبرزها الموقف من قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية. فبالنظر إلى عدم اعتراف ‘الإخوان’ بهذا القرار، ورفضهم دسترته وقوننته، فإن الكتلة الشعبية الرئيسية من الأردنيين، تتحفظ على السير في إصلاحات سياسية قبل إنجاز هذا الاستحقاق. في رأيي أن تجاوز هذه المعضلة سيؤدي إلى تكوين جبهة وطنية ديموقراطية واسعة ووازنة تفرض التحول الديموقراطي.وكنّا نأمل أن ‘ الإخوان’ سيصلون، من خلال حواراتهم الداخلية، إلى إدراك استحالة التغيير الديموقراطي قبل التحديد الوطني، لكن الجناح الميّال إلى هكذا مقاربة تمت إزاحته، وتولى أمر الجماعة والحزب، الفريق المرتبط بـ’ حماس’، ويعبّر عن أجندتها. وفي سياق هذه الأجندة، أدلى أحد قادة هذا الفريق، نائب المراقب العام للجماعة، زكي بني ارشيد، بتصريحات إلى موقع ‘سي إن إن ‘ بالعربية، وهي (1) تتجاهل، كليا، مطالب الحراك الأردني الاقتصادية والاجتماعية ومحاربة الفساد ومراجعة الخصخصة، (2) وتغازل النظام من خلال الإعلان عن تراجع ‘ الإخوان’ عن شعار الملكية الدستورية، والتأكيد على شراكة غير واضحة المعالم، (3) وتتحدى الوطنيين الأردنيين بالقول إن ‘ الحركة الإسلامية متوافقة على رفض قرار فك الارتباط الإداري والقانوني بين الأردن والضفة الغربية لعام 1988’.
واجتماع هذه النقاط الثلاث معا له معنى واحد أن أجندة ‘ الإخوان’ غير أردنية، وأن ‘ الإخوان’ مستعدون لتقديم كل التنازلات المطلوبة في الشؤون الأردنية مقابل تأكيد الإطار القانوني لعودة حماس إلى البلاد، واستخدامها كمنصة للصراع مع السلطة الفلسطينية.وفي رأينا أن تمكين ‘ الإخوان’ في الأردن هو شرط لتمكين حماس، وتأهيلها، أمريكيا وإسرائيليا، للحلول محل فتح كمفاوض رئيسي يمتلك القوة السياسية اللازمة في غزة والضفة والأردن.
ولا يكتفي بني ارشيد بذلك، بل يمارس قلب الحقائق والتضليل بقوله:’ إن الجماعة ملتزمة بموقفها برفض القرارالذي صدر بإرادة أمريكية، وهو الذي أسس بالأصل لاتفاقيات أوسلو ووادي عربة’.
أولا، قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية لم يصدر بإرادة أمريكية، وإنما تحت الضغط الجماهيري لانتفاضة 1987 المجيدة في الأراضي المحتلة، ونضالات الوطنيين الفلسطينيين والأردنيين، وجاء بمثابة اعتراف بولادة وطنية فلسطينية جديدة مرتبطة بالأرض الفلسطينية وليس بالمهاجر،
ثانيا، لم يؤد ذلك القرار إلى ‘ أوسلو’ و’ وادي عربة’ اللتين جاءتا لاحقا في 1993 و1994 في ظل موازين قوى اختلت بخسارة الشعبين الفلسطيني والأردني، قوة الحليف العراقي والصديق السوفياتي. وهذا لا يعني أنني أوافق على تينك الاتفاقية والمعاهدة، ولكنني أضعهما في سياقهما التاريخي،
ثالثا، رفض قرار فك الارتباط يخدم مباشرة مصلحة إسرائيل في وجود سياق مائع وثغرة واسعة للتهجير والتوطين، ويخدم الفئات المستبدة والفاسدة في استمرار تشرذم الحركة الشعبية، ويعرّض الكيان الوطني الأردني لأخطار جسيمة،
رابعا، لا يمكن فهم رفض قرار فك الارتباط مع الضفة، من وجهة نظر كفاحية، إلافي حالة إعلان الرافضين أن الضفة أرض أردنية وتخضع لسيادة الحكومة المركزية في عمان، مما يعني حلّ السلطة وحل هيئاتها وإخضاع أحزابها ـ بما فيها حماس ـ لوزارة الداخلية الأردنية، وإخضاع كل أشكال العمل السياسي والمسلح لاستراتيجية دفاعية أردنية،
خامسا، إن ‘ الإخوان’ الذين يرفضون قرار فك الارتباط مع الضفة، من وجهة نظر أردنية، ويرفضون، بالتالي، حسم مسألة المواطنة والهوية والكيان، يعترفون، بالمقابل، بهذا القرار من وجهة النظر الفلسطينية، بدليل أنهم يؤيدون مشاركة حماس في هيئات السلطة الفلسطينية، وخصوصا المجلس التشريعي، على قاعدة فك الارتباط بالذات،
ينبغي أن ينتهي هذا اللعب بالثلاث ورقات؛ فإما ارتباط يقودنا إلى برنامج أردني للتحرير تحت السيادة الكاملة للدولة الأردنية، وإما دسترة فك الارتباط وقوننته بما يقودنا إلى التوافق على المشروع الوطني والديموقراطي الأردني.
بخلاف ذلك، فهي أجندة غير أردنية حتما .
العرب اليوم